ذنوب لا يكلِّم الله
أصحابها يوم القيامة , ولا يزكيهم , ولا ينظر إليهم , ولهم عذاب أليم .
والمقصود : أن أصحاب هذه الذنوب الله - عز وجل - {لاَ
يُكَلِّمُهُمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } : وجمهور
المفسرين على أنه لا يكلّمهم كلاما ينفعهم , ويسرّهم , ويرضى به عليهم , وهناك
أقوال أخرى هذا أصحها - والله أعلم - ؛ لأن الله - عز وجل - يكلّم أهل النار وهم في النار , لكنه كلام ليس
على سبيل الرّضا , فيقول تعالى: {اخْسَؤُوا
فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} , {وَلاَ يَنْظُرُ
إِلَيْهِمْ} : أي : لا
ينظر إليهم نظرا خاصا , بل يعرض عنهم فلا ينظر إليهم نظر رحمة , ولطف، وإنما النظر
العام فإن الله - تعالى - ينظر إلى كل شيء سبحانه , {وَلاَ
يُزَكِّيهِمْ}: أي: لا
يطهرهم من الدنس , ولا يثني عليهم
خيرا , وهم عِدَّة أصناف :
الأول : الذين يكتمون ما أنزل الله - تعالى -
من الكتاب .
فكتم علماء الأمة شيئاً من العلم إرضاءً لحكامهم , أو تحقيقاً لمصلحة شخصية
, أو طلباً لعرض من الدنيا , صار مشابهاً لأحبار ورهبان اليهود والنصارى في كتمهم
, فكان جزاؤهم هذا الجزاء .
قال الله - تعالى - : {إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ
ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ
وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ البقرة:174] .
وفي سنن أبي داود , من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه
- قال رسول الله - صلَّى الله
عليه وسلَّم -
: " مَنْ سُئِلَ عن عِلْمِ عَلِمَهُ ثم
كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ"(2) .
الثاني : الذين ينقضون ما عاهدوا
الله -
تعالى - عليه , ويشترون بأيمانهم ثمناً قليلا
.
فيحلفون الأيمان الكاذبة ؛ ليحققوا مكسباً دنيوياً , قال الله - تعالى - : {إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً
أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ
يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَـهُمْ عَـذَابٌ
أَلِـيمٌ} [آل
عمران:77] .
وعند البخاري , من حديث عبدِ الله بن أبي أوفى - رضيَ الله
عنه - :"
أنَّ رَجُلاً أقامَ سِلعةً وهوَ في السُّوقِ، فحَلَفَ بالله لقد أعطى بها ما لم
يُعطَ ؛ ليُوقِعَ فيها رجُلاً منَ المسلمينَ ، فنزَلَتْ:{إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً }"([1]).
وجاء في صحيح مسلم ما يبين هذا الوعيد على من يروِّج سلعته بالحلف الكاذب ؛
لأن الناس سيصدقونه , وستنفد السلعة حينئذ , فيستغل الحلف كذبا ؛ لتنفيق سلعته ,
فعن أبي ذر -
رضي الله عنه -
عَنِ النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
« ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ
إِلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » قَالَ : فَقَرَأَهَا
رَسُولُ اللّهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ. قَالَ أَبُو ذَرَ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ
يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: «الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ , وَالْمَنَّانُ , وَالْمُنَفِّقُ
سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ "(2).
بل جاء عند الطبراني , من حديث سلمان - رضي الله عنه
-
ما يدل على أن الإنسان يستحق هذا الوعيد وإن كان صادقاً , حينما يكثر من الحلف
بالله -
تعالى - ,
قال رسول -
صلَّى الله عليه وسلَّم - : « ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ
إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أُشَيْمِطٌ زَانٍ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ،
وَرَجُلٌ جَعَلَ اللَّهَ بِضَاعَةً، لا يَشْتَرِي إِلا بِيَمِينِهِ، وَلا يَبِيعُ
إِلا بِيَمِينِهِ »(3) , قال المنذري: رواته يُحتج بهم في
الصحيح.
الثالث : المسبل إزاره .
الرابع : المنَّان.
الذي يسبل إزاره تحت الكعبين(4), وكذا الذي يعطي العطية فيمنُّ
على الناس بها , يدخلان ضمن هذا الوعيد ؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه
-
الذي تقدم , وفيه :«الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ , وَالْمَنَّانُ , وَالْمُنَفِّقُ
سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ »(5).
الخامس : كبير السِّن إذا زنا .
السادس : الملك , والسلطان إذا كذبا
.
السابع : الفقير إذا تكبَّر .
وهؤلاء الثلاثة جاء وعيدهم في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند مسلم , قال رسول اللّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - :«ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ , وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ , وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ , وَمَلِكٌ كَذَّابٌ , وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ»(6).
وهؤلاء الثلاثة جاء وعيدهم في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند مسلم , قال رسول اللّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - :«ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ , وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ , وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ , وَمَلِكٌ كَذَّابٌ , وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ»(6).
والسبب في اجتماع هؤلاء الثلاثة في هذا الوعيد : لأن كل واحد
منهم فعل معصيته مع قِلَّة الدواعي إليها ؛
فالشيخ ؛ وهو الكبير في السِّن قد بردت شهوته ، وخفَّت إرادته ، وهو
مع ذلك يزني , فهذا غريب جدا في حقه ؛ لضعف الدواعي لذلك .
والملِك كذلك ؛ وهو الإمام , فهو لا يخشى أحدا من رعيته ، ولا
يحتاج إلى أن يداهن أحدا ، فالكذب منه غريب ؛ لضعف الدواعي إليه.
والعائل ؛ وهو الفقير على ماذا يتكبر؟! فإن غالب من يتكبر إنما يتكبر من أجل ما عنده من مال , أو جاه , والثروة في الدنيا , وهذا سبب ليس عند الفقير , فكان الاستكبار منه شيء غريب ؛ لقلة الدواعي لذلك , فهو المحتاج , والناس ربما يكونون سببا في سد حاجته , فكيف يتكبَّر عليهم , ولا شيء لديه يتكبَّر من أجله؟ ([2]).
والعائل ؛ وهو الفقير على ماذا يتكبر؟! فإن غالب من يتكبر إنما يتكبر من أجل ما عنده من مال , أو جاه , والثروة في الدنيا , وهذا سبب ليس عند الفقير , فكان الاستكبار منه شيء غريب ؛ لقلة الدواعي لذلك , فهو المحتاج , والناس ربما يكونون سببا في سد حاجته , فكيف يتكبَّر عليهم , ولا شيء لديه يتكبَّر من أجله؟ ([2]).
الثامن : من منع ابن السبيل الماء
الفاضل بالصحراء.
التاسع : من بايع إمام المسلمين ؛ لأجل
أغراض دنيوية.
فلو أن شخصا منع ابن السبيل , وهو: المسافر , ومن على شاكلته , من ماء زائد
على الحاجة , فإنه يدخل في هذا الوعيد , وكذلك من بايع إمام المسلمين من أجل
الدنيا , إن أعطاه من هذه الدنيا , وأموالها كان وفياً معه , وإن لم يعطه لم يفِ
له , أي: أنه لم يبايعه ديانة , ونصحاً له , وتأييدا للحق الذي معه من الكتاب , والسُّنَّة
, وإنما من أجل الدنيا , فإنه يدخل في هذا الوعيد .
ويدل على ذلك :
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه و سلم - : « ثَلاَثٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ
اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ , وَلاَ يُزَكِّيهِمْ , وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالفَلاَةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ
السَّبِيلِ , وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ
بِالله لأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذٰلِكَ ,
وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَاما لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَا ، فَإِنْ أَعْطَاهُ
مِنْهَا وَفَىٰ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ »(2).
(3)
رواه الطبراني (6/57) .
(4)
وفي المسألة خلاف مشهور هل الوعيد ينطبق على من يسبل إزاره مطلقاً أو أن المقصود
فيمن يسبل إزاره مختالاً , و ليس المقام مقام بسط للخلاف فيمن هو المسبل المتوعد
عليه ؟ والأظهر والله أعلم أن المسبل مطلقاً يدخل في الوعيد فلا ينظر الله إليه
يوم القيامة , وقد بسطت الخلاف في المسألة بأدلتها في إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم
في كتاب الإيمان شرح الحديث رقم ( 74 ) .
(5)
رواه مسلم برقم (106) .
(6) رواه مسلم برقم (107) .
(2)
رواه البخاري برقم (2369) , رواه مسلم برقم (108) .
(3)
رواه البخاري برقم (6638) , رواه مسلم برقم (990) .
(4)
رواه البخاري برقم (6443) , رواه مسلم برقم (94) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح صوتي
http://forih.wordpress.com