حكى بعضهم قال : "كنت في سفر فضللت عن الطريق ، فرأيت بيتاً في الفلاة (الصحراء) ، فأتيته فإذا به أعرابيّة ، فلما رأتني قالت من تكون ؟!
قلت : ضيف .
قالت: " أهلاً ومرحباً بالضيف، انزل على الرحب والسعة".
قال فنزلت فقدمت لي طعاماً فأكلت ، وماءً فشربت، فبينما أنا على ذلك إذ أقبل صاحب البيت؛ فقال: " من هذا ؟!".
فقالت : "ضيف".
فقال : "لا أهلاً ولا مرحباً، ما لنا وللضيف!! ".
فلما سَمِعْتُ كلامه ركبت من ساعتي وسرت ، فلما كان من الغدّ رأيت بيتاً في الفلاة فقصدته فإذا فيه أعرابيّة فلما رأتني قالت من تكون ؟!
قلت: " ضيف".
قالت : "لا أهلاً ولا مرحباً بالضيف، ما لنا وللضيف!! "
فبينما هي تكلمني ؛ إذ أقبل صاحب البيت فلما رآني قال : "من هذا ؟!".
قالت: " ضيف".
قال: " مرحباً وأهلاً بالضيف".
ثم أتى بطعام حسن فأكلت ، وماء فشربت ، فتذكرت ما مرّ بي بالأمس فتبسمت؛ فقال : "ممَ تبسمك؟!! "
فقصصت عليه ما إتفقُ لي مع تلك الأعرابيّة وبَعْلها، وما سمعته منه ومن زوجته؛ فقال : "لا تعجب؛ إن تلك الأعرابيّة التي رأيتها هي أختي! وإن بّعْلُها أخو إمرأتي هذه! ، فغَلبَ على كُل طَبعٍ أهله"...
____________
من ( نوادر البخلاء للجاحظ)