قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله
: مَا يُؤْذَى الْإِنْسَانُ بِهِ فِي فِعْلِهِ لِلطَّاعَاتِ -
كَالصَّلَاةِ ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ،
وَطَلَبِ الْعِلْمِ - مِنْ الْمَصَائِبِ فَصَبْرُهُ عَلَيْهَا أَفْضَلُ
مِنْ صَبْرِهِ عَلَى مَا اُبْتُلِيَ بِهِ بِدُونِ ذَلِكَ ؛ وَكَذَلِكَ إذَا
دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى مُحَرَّمَاتٍ ؛ مِنْ رِئَاسَةٍ ، وَأَخْذِ مَالٍ ،
وَفِعْلِ فَاحِشَةٍ ، كَانَ صَبْرُهُ عَنْهُ أَفْضَلَ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى
مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ كُلَّمَا عَظُمَتْ
كَانَ الصَّبْرُ عَلَيْهَا أَعْظَمَ مِمَّا دُونَهَا ؛ فَإِنَّ فِي
الْعِلْمِ ، وَالْإِمَارَةِ ، وَالْجِهَادِ ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَالصَّلَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَالصَّوْمِ ،
وَالزَّكَاةِ ، مِنْ الْفِتَنِ النَّفْسِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَا لَيْسَ فِي
غَيْرِهَا ؛ وَيَعْرِضُ فِي ذَلِكَ مَيْلُ النَّفْسِ إلَى الرِّئَاسَةِ
وَالْمَالِ وَالصُّوَرِ ، فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ غَيْرَ قَادِرَةٍ
عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَطْمَعْ فِيهِ كَمَا تَطْمَعُ مَعَ الْقُدْرَةِ ؛
فَإِنَّهَا مَعَ الْقُدْرَةِ تَطْلُبُ تِلْكَ الْأُمُورَ الْمُحَرَّمَةَ ،
بِخِلَافِ حَالِهَا بِدُونِ الْقُدْرَةِ ؛ فَإِنَّ الصَّبْرَ مَعَ
الْقُدْرَةِ جِهَادٌ ، بَلْ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ وَأَكْمَلُ مِنْ
ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : ( أَحَدُهَا ) : أَنَّ الصَّبْرَ عَنْ
الْمُحَرَّمَاتِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ . ( الثَّانِي
) : أَنَّ تَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَطَلَبَ
النَّفْسِ لَهَا أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا بِدُونِ ذَلِكَ . ( الثَّالِثُ ) :
أَنَّ طَلَبَ النَّفْسِ لَهَا إذَا كَانَ بِسَبَبِ أَمْرٍ دِينِيٍّ -
كَمَنَ خَرَجَ لِصَلَاةِ ، أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ ، أَوْ جِهَادٍ ،
فَابْتُلِيَ بِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ صَبْرَهُ عَنْ
ذَلِكَ - يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ ؛
بِخِلَافِ مَا إذَا مَالَتْ نَفْسُهُ إلَى ذَلِكَ بِدُونِ عَمَلٍ صَالِحٍ
... ( مجموع الفتاوى : 10 / 576 ، 577 ) .