إن سالَ من غرب العيون بحورُ *** فالدهر باغٍ والزمانُ غدورُ
فلكلِّ عيـن حقُّ مدرار الدما *** ولكلِّ قلب لوعة وثبــورُ
ستر السنا وتحجّبتْ شمس الضحى *** وتغيّبت بعد الشروق بدورُ
ومضى الذي أهوى وجرّعني الأسى *** وغدتْ بقلبي جذوةٌ وسعيرُ
يا ليته لما نوى عهدَ النـوى *** وافى العيونَ من الظلام نذيرُ
فلكلِّ عيـن حقُّ مدرار الدما *** ولكلِّ قلب لوعة وثبــورُ
ستر السنا وتحجّبتْ شمس الضحى *** وتغيّبت بعد الشروق بدورُ
ومضى الذي أهوى وجرّعني الأسى *** وغدتْ بقلبي جذوةٌ وسعيرُ
يا ليته لما نوى عهدَ النـوى *** وافى العيونَ من الظلام نذيرُ
ناهيك ما فعلتْ بماء حشاشتي *** نارٌ لها بين الضلوع زفيرُ
لو بـُثَّ حزني في الورى لم يلتفتْ *** لمصاب قيسٍ والمصابُ كثيرُ
طافت بشهر الصوم كاساتُ الردى *** سَحرا وأكواب الدموع تدورُ
فتناولت منهــا ابنتـي فتغيرّت *** وجَناتُ خدٍّ شانَها التغييرُ
فذوَتْ أزاهيرُ الحياة بروضهـا *** وانقدَّ منها مائسٌ ونضيــرُ
لبستْ ثياب السقم في صغرٍ وقد *** ذاقت شرابَ الموت وهو مريرُ
جاء الطبيبُ ضُحًى وبشَّر بالشفا *** إن الطبيب بـِطبّه مغـــرورُ
وصفَ التجرُّعُ وهو يزعم أنـه *** بالبُرء من كل السقام بَشيرُ
فتنفَّستْ للحزنِ قائلةً لــــه :*** عَجِّلْ ببرُئي حيث أنت خبيـرُ
وارحمْ شبابي؛إنّ والدتي غـدتْ *** ثكلى يثير لها الجوى وتُشيرُ
وارأفْ بعينٍ حُرمتْ طيبَ الكرى *** تشكو السهاد وفي الجفون فتورُ
لما رأت يأس الطبيب وعجزَه *** قالت ودمع المقلتين غزيرُ:
"أُمـّـاه،قد كَلَّ الطبيبُ وفاتني *** ممّا أؤمّل في الحياة نصيرُ
لو جاء عرّاف اليمامة يبتغي *** بُرئي لردَّ الطرفَ وهو حسيرُ
يا روع روحي حلَّها نزع الضنى *** عمّـا قليلٍ ورقُها ستطيــرُ
أُمّاه،قد عزَّ اللقاءُ وفي غدٍ *** سترين نعشي كالعروس يسيرُ
وسينتهي المسعى إلى اللحد الذي *** هو منزلي وله الجموع تصيرُ
قولي لربّ اللحد:رِفقـًا بابنتي *** جاءت عروسًا ساقَها التقديرُ
وتَجلّدي بإزاء لحدي بُرهةً *** فتَراكِ روحٌ راعَها المقدورُ
أمُّاه قد سلفتْ لنا أمنيةٌ *** يا حُسنها لو ساقها التيسيرُ
كانت كأحلام مضتْ وتخلّفتْ *** مذ بانَ يومُ البين وهو عسيرُ
عودي إلى رَبعٍ خلا ومآثرٍ *** قد خلّفت عني لها تأثيرُ
صوني جهاز العُرس تذكارًا؛فلي *** قد كان منه إلى الزفاف سرورُ
جرّتْ مصائبُ فرقتي لك بعد ذا *** لبسَ السواد ونـُفِّذ المسطورُ
والقبر صار لغصنِ قدّي روضةً *** ريحانُها عند المزار زهورُ
أُمّاه،لا تنسي بحق بُنوَّتي *** قبري لئلا يحزن المقبورُ
ورجاءَ عفو أو تلاوةَ منزل *** فسواك من لي بالحنين يزورُ؟!!
فلعلما أحظى برحمة خالقٍ *** هو راحمٌ بَرٌّ بنا وغفورُ"
فأجبتها والدمع يحبس منطقي *** والدهر من بعد الجوار يجور:
"بنتاه..يا كبدي ولوعةَ مهجتي ***،قد زال صفوٌ شأنُه التكديرُ
لا توصي ثكلى قد أذابَ فؤادَها *** حزنٌ عليك وحسرة وزفيرُ
قسمًا بِغضّ نواظري وتلهُفي *** مذ غاب إنسانٌ وفارقَ نورُ
وبقُبلتي ثغرًا تَقضّى نحبه *** فحُرمتُ طيب شذاه وهو عطيرُ
والله لا أسلو التلاوةَ والدُّعا *** ما غرّدت فوقَ الغصون طيورُ
كلا ولا أنسى زفيرَ توجُّعي *** والقدّ منك لدى الثرى مدثورُ
إني ألِفْتُ الحزنَ حتى إنني *** لو غابَ عني ساءني التأخيرُ
قد كنتُ لا أرضى التباعدَ برهةً *** كيف التصبرّ والبعاد دهورُ؟!!
أبكيك حتى نلتقي في جنة ***برياض خُلدٍ زيَّنتْها الحورُ
إن قيل ساجدةٌ أقول لقد فنى *** عيشي وصبري والإلهُ خبيرُ
ولهي على سما الحسن التي *** قد غابَ بدرُ جمالِها المستورُ
قلبي وجفني واللسانُ وخالقي *** راضٍ وباكٍ شاكرٌ وغفورُ
مُتعتِ بالرضوان في خلد الرضا *** ما ازّينت لك غرفةٌ وقصورُ
وسمعت قول الحق للقوم:ادخلوا *** دارَ السلام فسعيُكم مشكورُ"
هذا النعيم به الأحبة تلتقي *** لا عيشَ إلا عيشه مبرورُ