ومن
أمعن النظر في أحوال المدركين المحققين من أهل العلم وجد أن ما يجري على
ألسنتهم وسطرته أقلامهم من فتوح الله عزوجل عليهم ، إنما استمطروه بإقبالهم
على الله عز وجل .
ومن
تأمل في حالهم مع ربهم ؛ خضوعاً ومحبةً وإقبالاً وإخباتاً وإنكساراً ،
أدرك أن مأخذ العلم الأعظم هو: تعلق القلب بالله- سبحانه وتعالى- ، ونزع
النفس من كل قوة تعول عليها .
والمشغولون
بقواهم النفسية من الفهم والحفظ ؛ دون اللياذ بالله والإقبال عليه ، لا
يدركون مرادهم من العلم بالفهم والعمل ، فيحجبون عن هذا لما تتضمنه قلوبهم
من الالتفات إلى غير الله سبحانه وتعالى والإنشغال به .
وكثيرا
ما يشتغل طالب العلم بمآخذ العلم الظاهرة ؛ كحفظ المتون ، والحضور على
الأشياخ ، ويغفل غفلة عظيمة عن إقبال قلبه على الله عزوجل ، وتعلقه به ،
ورده الأمر كله إليه ، تضرعاً ودعاءً وسؤالاً وذكراً .
فإن العلم رزق والأرزاق بيد الرزاق سبحانه وتعالى .
فمن
تضرع إليه وأقبل عليه وأحسن الصنيعة معه ؛ فإن الله أكرم الأكرمين ، وهو
يفتح لعباده ويهبهم من القدر ما لا يكون عند نظرائهم ؛ إجراء لرحمته سبحانه
وتعالى عليهم .
فإياك
يا طالب العلم والإغترار بجودة حفظك ، أو قوة فهمك ، أو كثرة إقبالك على
الدروس وحضورك لها ، أو معرفتك بالأشياخ ، فإن ذلك لا ينفعك إذا كان قلبك
غافلاً عن الله سبحانه وتعالى .
واعلم
أنه بقدر الإقبال وكثرة الأعمال وإحسان الصنيعة مع الله سبحانه وتعالى ؛
فإن الله يعلمك ما لم تعلم ، ويفتح لك من أبواب الفهم ما لا يكون لغيرك ،
وذلك محض رحمة الله سبحانه وتعالى التى تخوض فيها .
فاعرف السبيل إليه وتمسك به واسلكه .