أحكام تشميت العاطس - الإمام ابن عثيمين
إن من حقوق المسلم على
المسلم أن يشمته إذا عطس ، هكذا في الرواية الأولى التى أخرجها البخاري ومسلم ، وفي
الرواية الثانية التى أخرجها مسلم : " إذا عطس فحمد الله فشمته"
فقيد ذلك بما إذا حمد الله .
فإذا عطس الرجل وحمد الله وسمعته فشمته، يعني قل : يرحمك الله ، فإذا قلت يرحمك
الله ، وجب عليه أن يقول : يهديكم الله ويصلح الكم ، هكذا جاء الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه يقول في الجواب :" يهديكم الله ويصلح بالكم"
لكن هل تشميت العاطس إذا حمد فرض عين أو فرض كفاية؟ يعني :هل يكفي واحد من الجماعة
إذا شمته عن الجماعة، أم لا بد على كل من سمعه أن يشمته؟ والجواب : أنه ذهب بعض
العلماء على أن التشميت فرض كفاية ؛ فإذا كنا جماعة وعطس رجل وقال الحمد لله ، فقال
أحدنا له : يرحمك الله كفى.
وقال بعض العلماء : بل تشميته فرض عين على كل من سمعه ؛ لأن النبي صلى الله عليه
وسم قال :" كان حقاً على كل من سمعه أن يقول يرحمك الله " وظاهر هذا أنه فرض عين ،
فعلى هذا كل من سمعه يقول له : يرحمك الله ، ويقول هو : يهديكم الله ويصلح بالكم ،
ويكفى منه ردّ واحدٌ على الجميع ، إذا نواه للجميع كفى.
فإن عطس ولم يحمد الله فلا تقل : يرحمك الله، تعزيزاً له على
عدم حمده لله عزّ وجلّ ، يعني كما أنه لم يحمد الله فاحرمه هذا الدعاء ، فلا تقل له
: يرحمك الله ، ثم هل تذكره وتقول : قل الحمد لله أو لا تذكره ؟ والجواب : من
المعلوم أنه يحتمل أنه قد ترك الحمد تهاوناً، ويحتمل أنه تركه نسياناً ،فإن كان
تركه نسياناً فذكره وقل له : احمد الله ، وإن كان تركه تهاوناً فلا تذكره ، ولكن
أين إلى العلم بذلك ؟ وكيف أعلم أنه نسيان أو انه تهاون؟ ظاهر الحديث " فحمد الله "
أنه إذا لم يحمد الله لا تشمته ولا تذكره مطلقاً.
ولكن يمكنك فيما بعد أن تعلمه وتقول له: إن الإنسان إذا عطس فإنه يحمد الله على هذا
العطاس؛ لأن العطاس من الله، والتثاؤب من الشيطان، العطاس دليلٌ على نشاط جسم
الإنسان ، ولهذا يجد الإنسان راحة بعد العطاس.
ثم إن التشميت بقول : يرحمك الله مقيد بثلاث؛ إذا شمته ثلاث مرات يعني عطس فحمد
الله ، فقلت يرحمك الله ثم عطس فحمد الله فقلت ، يرحمك الله ، ثم عطس فحمد الله
فقلت : يرحمك الله ، ثم عطس الرابعة فقل : عافاك الله ، إنك مزكوم ، تدعو له
بالعافية وتبين له أنه مزكوم لئلا يقول : لماذا لا تقول يرحمك الله كنا كنت بالأول
تقول يرحمك الله ، فيتبين العلة حين تقول : إنك مزكوم.
وفي هذا تنبيه له على أن يحاول الاحتراز مما يزيد الزكام ، وإلا فإن الزكام في
الغالب لا دواء له إذا أصاب الإنسان ، وإنه لا يذهب عنه حتى ينتهي منه، لكن من
أسباب تخفيف هذا الزكام عدم التعرض للهواء البارد، وعدم شرب الماء البارد ، وعدم
التعرض للبراد بعد الدفء، والإنسان طبيب نفسه .
ثم إن ما يقوله بعض العامة إذا قلت له : يرحمك الله ، يحث يقول: يهدينا ويهديكم
الله ، فهذا ليس بصحيح؛ لأن الرجل دعا لك أنت فقال:يرحمك الله ، فكيف تقول : يهدينا
ويهديكم الله ، فتدعو لنفسك قبله، نعم لو قال : يرحمنا ويرحمك الله ، فقل: يهدينا
ويهديكم الله ، لكنه قال : يرحمك الله كما أمر ، فأنت اجبه كما أمرت؛ فقل يهديكم
الله ويصلح بالكم .
وذكر أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي - يعني يتكلفون
العطاس من أجل أن يقول لهم : يرحمكم الله[408] ، لأنهم يعلمون أنه نبي وأن دعاه
بالرحمة قد ينفعهم ، ولكنه لا ينفعهم ؛ لأن الكفار لو دعوت لهم بالرحمة لا ينفعهم
ذلك ، بل لا يحل لك أن تدعو لهم بالرحمة إذا ماتوا ولا بالمغفرة، لقول الله تعالى :
(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ
وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ
أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة:113).
فإن قيل : اليس إبراهيم استغفر لأبيه ، وإبراهيم على الحنيفية وعلى التوحيد؟ هذا
الجواب يتضح في قول الله تعالى : (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ
إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ
عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)
(التوبة:114).
فهذه الحقوق التي بينها النبي كلها إذا قام بها الناس بعضهم مع
بعض، حصل بذلك الألفة والمودة وزال ما في القلوب والنفوس من الضغائن والأحقاد.