الثلاثاء، 29 يوليو 2014

الديوبندية


الديوبندية مدرسة فكرية عميقة الجذور، طبعت كلَّ خريج منها بطابعها العلمي الخاص؛ حتى أصبح ينسب إليها كثير من فقهاء المذهب الحنفي.

فالديوبندية طائفة من الحنفية توجد في شبه القارة الهندية وغيرها، يسلكون مسلك جامعة "ديوبند" وينتمون إليها، وذلك تمييزاً لهم عن إخوانهم "البريلوية" إحدى طائفتي الحنفية أيضا، الذين ينتمون إلى إمام البدعة أحمد رضا خان البريلوي، الذي ولد بمدينة "بريلي" إحدى مدن ولاية أوترابراديش بالهند عام 1272 هـ ومات في 1340هـ. و"ديوبند" هي بلدة في ولاية أوترا براديش، اكتسبت شهرتها من أجل الجامعة الإسلامية الشهيرة "دار العلوم" التي تأسست فيها عام 1283هـ، ... وكان الهدف الأساسي من إنشاء هذه الجامعة هو تأييد المذهب الحنفي ونشره وإخضاع السنة النبوية وتطويعها للفقه الحنفي. (1)


النشأة وسبب التسمية بهذا الاسم.

سميت تلك الفرقة بهذا الاسم؛ لأنها كانت بداية نشأتها في قرية تسمى بـ " ديوبند" التي هي كانت أساسا لجامعة ديوبند التي أُسست على يد مجموعة من علماء الهند بعد أن قضى الإنجليز على الثورة الإسلامية في الهند عام 1857م فكان تأسيسها ردً فعل قويٍّ، لوقف الزحف الغربي ومدنيته الماديَّة على شبه القارة الهندية؛ من أجل إِنقاذ المسلمين من مخاطر هذه الظروف، خاصة وأن دلهي العاصمة قد خرِّبت بعد الثورة، وسيطر عليها الإنجليز سيطرة كاملة، وخاف العلماءُ أن يُبْتَلع دينُهم، فأخذ الشيخ/ إمداد الله المهاجر المكي وتلميذه الشيخ/ محمد قاسم الناناتووي وأصحابهم برسم الخطط للمحافظة على الإسلام وتعاليمه. فرأوا أن الحل بإقامة المدارس الدينية، والمراكز الإسلامية. وهكذا أسست المدرسة الإسلامية العربية بـقرية "ديوبند" كمركز للدين والشريعة في الهند في عصر حكومة الإنجليز.

ـ وقد بدأت دار العلوم بمدرسة دينية صغيرة بقرية ديوبند تأسست في 15 محرم 1283هـ الموافق 30 أيار ( مايو ) 1866م، ثم أصبحت من أكبر المعاهد الدينية العربية في شبه القارة الهندية. (2)

- أهم  الأفكار والمبادئ لمدرسة الديوبندية.

1- المحافظة على التعاليم الإسلامية، والإبقاء على شوكة الإسلام وشعائره.

2- نشر الإسلام ومقاومة المذاهب الهدَّامة والتبشيريّة.

3- نشر الثقافة الإسلامية ومحاربة الثقافة الإنجليزية الغازية.

4- الاهتمام بنشر اللغة العربية، لأنها وسيلة الاستفادة من منابع الشريعة الإسلامية.

5- الجمع بين القلب والعقل وبين العلم والروحانية. (3).

ـ أبرز الشخصيات والزعماء للديوبندية.

1-الشيخ محمد قاسم ولد بناتوته سنة 1248هـ ورحل إلى سهارنبور في صغر سنه وقرأ المختصرات على الشيخ محمد نواز الهارنبوري. وكان ممن قام ضد الاستعمار البريطاني في الثورة المشهورة سنة 1273هـ. وفي 15 محرم 1273هـ وهو الذي قد أسس مدرسة دار العلوم بديوبند وتحمل مسؤلية إدارتها وشاركت في تربية طلابها رفيقة الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي. وقد لخص هدفها في رده على اللورد ميكالي الإنجليزي بقوله: " إن غرضنا من التعليم هو إيجاد جيل يكون بلونه وعنصره هندياً، يتنور قلبه وعقله بنور الإسلام، وتموج نفسه بالعواطف الإسلامية، ثقافة وحضارة وسياسة ".

2- الشيخ أحمد الكنكوهي: أحد أعلام الحنفية وأئمتهم في الفقه والتصوف. وهو أحد الذين بايعوا الشيخ إمداد الله المهاجر المكي على الطريقة. وكان زميلاً للشيخ محمد قاسم الناناتوي. وله مؤلفات عديدة منها مجموعة فتاواه في عدة مجلدات، توفي عام 1323هـ.

3-الشيخ حسين أحمد المدني والملقب بشيخ الإسلام: ولد في التاسع عشر من شوال سنة 1296هـ وتلقى مبادئ العلوم في تانده من مديرية فيض آباد الهند وطن آبائه. وفي سنة 1309هـ سافر إلى دار العلوم الديوبندية وفيها تعلم الحديث عن الشيخ محمود حسن الديوبندي الذي لازمه مدة طويلة وكذلك تلقى من الشيخ خليل أحمد السهارنفوري.

4-محمد أنور شاه الكشميري: أحد كبار فقهاء الحنفية وأساطين مذهبهم تخرج في جامعة ديوبندي وولي التدريس في المدرسة الأمينية بدلهي، ثم شغل مشيخة الحديث في جامعة ديوبند. في عام 1346هـ تولى رئاسة التدريس وشياخة الحديث فيها إلى جامعة دابهيل كجرات وله مؤلفات عديدة. ويعد من أبرز علماء عصره في قوة الحفظ وسعة الإطلاع. وكان أحد الذين لعبوا دوراً هامًّا في القضاء على فتنة القاديانية في شبه القارة الهندية. توفي عام 1352هـ.

ومن أعلام الديوبندية المعاصر :

1- الداعية المشهور / الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي، رئيس جامعة ندوة العلماء، هو ورئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ( على ماله من جهود إيجابية في الدعوة إلى الله – لكننا ههنا نتحدث عن المذهب الفكري الذي ينتمي إليه , والذي انتقده علماء الأمة بما فيه من محدثات وبدع )

2- والشيخ حبيب الرحمن الأعظمي . (4)

-الأفكار والمعتقدات:

الديوبندية تتعبد في الفروع على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله في الفقه والفروع وفي الاعتقاد والأصول تتبع مذهب أبي منصور الماتريدي، وتنتسب من طرق الصوفية إلى طرق النقشبندية الجشيتية والقادرية السهروردية طريقاً وسلوكاً.

ويمكن لنا تفصيل معتقداتهم على النحو التالي:

أولا: القول بوحدة الوجود

عقيدة وحدة الوجود من العقائد الصوفية القبورية التي تسربت إلى كبار مشايخ الديوبندية وأئمتهم الأجلة وأكابرهم.

وقد اعترف الشاه أنور الملقب عندهم بإمام العصر (1352هـ) بأن مشايخنا مولعون بعقيدة وحدة الوجود ولكني لست بمتشدد فيها.

وقال الشيخ حكيم الملة (أمة الديوبندية) أشرف علي التانوي (1362هـ) أحد كبار أئمة الديوبندية وشيخهم الثالث في التصوف عن الشيخ إمداد الله إمام الديوبندية وشيخهم الأول في التصوف (1317هـ) أنه قال: (أعجبني بعض الأمور الطيبة في الحرمين).

منها أن عقيدة وحدة الوجود انتشرت كثيراً في الناس وارتكزت فيهم حتى الأطفال، فقد ذهبت مرة إلى مسجد قباء فسمعت شخصاً يقول: يا الله يا موجود فقال الآخر بل في كل الوجود.

فلما سمعت ذلك طرأ علي حال ثم رأيت الأطفال يلعبون فقال أحدهم: يا الله ليس غيرك. فطربت منه إلى حد زالت قواي؛ فقلت لهم: لم تذبحونني. (5)

ثانيا: التأويل لصفات الله عز وجل.

لقد صرح كبار مشايخ الديوبندية بأنهم على مذهب أبي منصور الماتريدي في الاعتقاد، فقال العلامة المحدث الفقيه خليل أحمد السهارنفوري أحد كبار أئمة الديوبندية (1346هـ) ومؤلف (بذل المجهود شرح سنن أبي داود) قد ألف كتابا يعد أهم كتب الديوبندية في العقيدة على الإطلاق وعليه توقيعات وتقريظات لخمسة وستين عالما من كبار العلماء الديوبندية وغيرهم والكتاب مطبوع بعنوان (المهند على المفند) باللغة العربية وقد ترجم قريبا إلى اللغة الأردية أيضا .... ومما قال في هذا الكتاب إنا بحمد الله ومشايخنا وجميع طوائفنا ... متبعون لأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي.

ثالثا: الاستغاثة بأرواح الأحياء والأموات

عقيدة الاستغاثة والاستعانة بالأموات من أكبر عقائد الديوبندية. فقد قال: نص ما قاله شبير أحمد العثماني (1369هـ)؛ قال في تفسير قوله تعالى:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]

علم من هذه الآية الشريفة: "أنه لا يجوز الاستمداد في الحقيقة من غير الله، ولكن إذا جعل شخص مقبول واسطة لرحمة الله، وطلب منه العون على اعتقاد أنه غير مستقل في الإعانة، فهذا جائز؛ لأن هذه الاستعانة بهذا الولي في الحقيقة استعانة بالله تعالى". انتهى كلامه

وقالوا: إن الاستمداد من أرواح الأموات هو عقيدة جميع أهل السنة بدليل أن الله تعالى قد سخر الملائكة لإعانة خلقه ومددهم.

وقالوا: لا يتحقق الشرك إلا إذا اعتقد أحد فيهم الاستقلال بالنفع والضر والقدرة دون العطاء من الله تعالى. (6) فكلام الديوبندية وغيرهم من القبورية لا يختلف عن كلام المشركين السابقين.

رابعا: المغالاة في الرسول صلى الله عليه وسلم

يعتقد الديوبندية أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله سبحانه وتعالى وأنه أول الخلق، مستدلين على ذلك بروايات موضوعة، فقد أورد الشيخ أشرف على التانوي في كتابه حديثاً موضوعاً عن جابر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء قال: ((يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، وليس في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول حملة العرش ومن الثاني الكرسي ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء، فخلق من الأول السموات ومن الثاني الأرضين والثالث الجنة والنار)) (7).

الانتشار ومواقع النفوذ:

فمنذ أن أسست دار العلوم بديوبند وبعد مرور فترة بسيطة من الزمن؛ اشتهرت وتقاطرت إليها قوافل طلاب العلوم الإسلامية من أطراف القارة الهندية.

هذا ولقد لعبت دارُ العلوم دوراً مهمًا في نشر الثقافة الإسلامية خارج الهند، وقد انتشرت المدارس الشرعية التابعة لدار العلوم في أقطار عديدة منها الهند وباكستان.

 موقف العلماء المعاصرين من فرقة الديوبندية:

لقد قام كثير من أهل العلم المعاصرين بالرد علة تلك الفرقة ومنهم الدكتور أبي أسامة سيد طالب الرحمن في كتاب له اسمه/ الديوبندية، ففيه كشف عوارهم و بين حقيقتهم ، وكذلك كتابه "جماعة التبليغ : تعريفها - عقائدها" بتقديم فضيلة الشيخ صالح الفوزان ، والشيخ الدكتور/ الشمس السلفي الأفغاني في كتابه/ القنابلُ الجندية والصورام الهندية على بدع الديوبندية ومحاسن القندية، كذا كتابه/ جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية، وكتابه "الماتريدية" و أصل الكتاب رسالة ماجستير بالجامعة الإسلامية. وكتاب دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها على الحركات الإسلامية المعاصرة لـصلاح الدين مقبول أحمد. وكتاب دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لأبأي المكرم بن عبد الجليل في شبه القارة الهندية بين مؤيديها ومعانديها، وغير ذلك من الكتب والمصنفات التي بينت عوار تلك الفرقة الضالة.

ويتلخص لنا مما سبق أن الديوبندية مدرسة فكريَّة أسسها مجموعة من علماء الهند ونمت حتى أصبحت أكبر المعاهد الدينية العربية للحنفية في الهند. ومن أعلامها المعاصرين الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي. ومن أهداف هذه المدرسة المحافظة على التعاليم الإسلامية ونشر الإسلام ومقاومة المذاهب الهدَّامة ومحاربة الثقافة الأجنبية والاهتمام بنشر اللغة العربية باعتبارها أداة فهم الشريعة الغراء. وتوجب الديوبندية التعبد بالمذهب الحنفي في مجال الفقه - مع تعصب شديد له - والعقيدة الماتريدية في مجال الاعتقاد والطرق الجشتية والسهروردية والنقشبندية والقادرية والصوفية في مجال السلوك والاتباع. وهذا كله مما يؤخذ عليها . فالواجب على عقلائها التخلص من هذه الانحرافات، والعودة إلى دعوة الكتاب والسنة .

ـــــــــــــــــــــــ

المراجع والهوامش:

(1) انظر: الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص21

(2) انظر: الموسوعة الميسرة (1/87).

(3) المرجع السابق.

(4) انظر: الموسوعة الميسرة (1/87).

(5) انظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-(2/ 790 – 795)، الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن-( ص29 – 42).

(6) وقد أبطلت هذه العقيدة بكلام علماء الحنفية بحمد الله وبينت على لسان علماء الحنفية: أن المشركين السابقين أيضاً لم يعتقدوا في آلهتهم القدرة الذاتية والاستقلال بالنفع والضر وإنما كان شركهم شرك الشفاعة والواسطة والتوسل.

 انظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-(2/ 787، 788).

(7) هذا الحديث  أورده العجلوني في ((كشف الخفاء)) (827) وعزاه إلى ((مصنف عبد الرزاق)) وليس الحديث في المصنف وزعم بعضهم أنه في القطعة المفقودة من المصنف وأنه وجدها وتبين كذبه وافتراؤه بما ليس هنا موضع بيانه، وعزاه أيضا اللكنوي في كتابه ((الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة)) (1/ 42) للمصنف أيضا وذكر أيضا أن الحديث ذكره القسطلاني في ((المواهب اللدنية))، وقال السيوطي في ((الحاوي في الفتاوي)) (1 - 479) " ليس له إسناد يعتمد عليه"، وحكم عليه كثير من أهل العلم بالحديث بأنه حديث موضوع.