السبت، 4 مايو 2013

إرادة الله الخير بالعبد



قال السعدي رحمه الله في تفسيره:
﴿ 26 - 28 ﴾ ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾.
يخبر تعالى بمنته العظيمة ومنحته الجسيمة، وحسن تربيته لعباده المؤمنين وسهولة دينه فقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ أي: جميع ما تحتاجون إلى بيانه من الحق والباطل، والحلال والحرام، ﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أي: الذين أنعم الله عليهم من النبيين وأتباعهم، في سيرهم الحميدة، وأفعالهم السديدة، وشمائلهم الكاملة، وتوفيقهم التام. فلذلك نفذ ما أراده، ووضح لكم وبين بيانا كما بين لمن قبلكم، وهداكم هداية عظيمة في العلم والعمل.

﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: يلطف لكم في أحوالكم وما شرعه لكم حتى تمكنوا من الوقوف على ما حده الله، والاكتفاء بما أحله فتقل ذنوبكم بسبب ما يسر الله عليكم فهذا من توبته على عباده.
ومن توبته عليهم أنهم إذا أذنبوا فتح لهم أبواب الرحمة وأوزع قلوبهم الإنابة إليه، والتذلل بين يديه ثم يتوب عليهم بقبول ما وفقهم له. فله الحمد والشكر على ذلك.
وقوله ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي: كامل الحكمة، فمن علمه أن علمكم ما لم تكونوا تعلمون، ومنها هذه الأشياء والحدود. ومن حكمته أنه يتوب على من اقتضت حكمته ورحمته التوبة عليه، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله من لا يصلح للتوبة.
وقوله ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: توبة تلم شعثكم، وتجمع متفرقكم، وتقرب بعيدكم.
﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ أي: يميلون معها حيث مالت ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم، ويعبدون أهواءهم، من أصناف الكفرة والعاصين، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم، فهؤلاء يريدون ﴿أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا﴾ أي: [أن] تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين.
يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره، إلى مَنْ الشقاوةُ كلها في اتباعه. فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء، فاختاروا لأنفسكم أوْلى الداعيين، وتخيّروا أحسن الطريقتين.