الأربعاء، 22 مايو 2013

علامة القصيم الشيخ عبد الرحمن السعدي




(1307/ 1376هـ - 1889 – 1957م)
أسامة شحادة – كاتب أردني

خاص بالراصد

تمهيد:
اشتهر الشيخ السعدي خارج السعودية في السنوات الأخيرة بسبب انتشار تفسيره القيم "تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن الكريم" بين الناس، لكن سيرة الشيخ السعدي ودوره الإصلاحي لم يتح لهما للآن أن يصلا للناس بشكل صحيح ليتخذ منهما قدوة ومثالاً معاصراً برغم تعدد الرسائل الجامعية حول منهجه التربوي والدعوي والعلمي.
ولعل مما يؤكد وجود الفجوة بين حقيقة الشيخ وبين ما يعرفه الناس وكثير من طلبة العلم عن سيرة الشيخ مطالعة ما كتبه الشيخ العلامة بكر أبو زيد في مقدمته لإحدى طبعات تفسير السعدي حيث قال: "في عام 1380هـ تقريباً سمعت من بعض الصالحين الوصية بتفسير الشيخ عبدالرحمن السعدي... حتى إذا جاء عام 1418هـ كان لي شرف المراجعة الأخيرة لكتاب: (التفسير الميسر)... فوجدت أن هذا التفسير يعتمد كثيراً تفسير ابن جرير الطبري المتوفى سنة 310هـ، وتفسير ابن سعدي – رحمه الله تعالى- فحصل لي من تفسير ابن سعدي نوع ارتواء، وصار لي به فضل اعتناء.

... فنرجو أن يكون لهذا العلامة المفسر نصيب من قول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- : "وأما (العلم اللدني) فلا ريب أن الله يفتح على قلوب أوليائه المتقين، وعباده الصالحين بسبب طهارة قلوبهم مما يكرهه، واتباعهم ما يحبه، ما لا يفتح لغيرهم ... وأحسب أن الشيخ ابن سعدي ممن فيه هذا الأمر، فتفجرت أنهار المعاني بين يديه وذلك من فضل الله عليه".      
فالشيخ بكر لم يدرك حقيقة قيمة الشيخ السعدي إلا بعد 38 سنة من سماعه به وهو في بلده!!

مولده ونشأته:
ولد الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي سنة 1307هـ - 1889م في بلدة عنيزة من بلدات منطقة القصيم، بالسعودية.
وقد ولد في مرحلة مضطربة غلبت عليها الصراعات بين القبائل والعشائر حتى استتبت الأمور لعبد العزيز بن سعود في عام 1326هـ - 1907م ودخلت بريدة وعنيزة في حكمه، وكان عمر السعدي عندها 19 عاماً تقريباً، ولذلك فإن علاقات السعدي بالملك وعلماء الرياض بقيت ضعيفة.
وقد نشأ السعدي يتيماً حيث توفيت أمه وله أربع سنوات، ثم توفي والده وله سبع سنوات، لكن كفلته زوجة أبيه وأحسنت إليه جداً، ولما شبّ صار في بيت أخيه الأكبر غير الشقيق حمد بن ناصر السعدي الذي رعاه وكفله ليتفرغ لطلب العلم.
وكانت أمه لمّا حملت به رأت رؤيا في المنام كأنها تبول في محراب المسجد الجامع، ففزعت لذلك، فقصت رؤياها على زوجها، وكان معروفاً بالعلم والفضل وعنده طرف من علم التعبير، فقال لها: إن صدقت رؤياك فستلدين غلاما يكون إماما في محراب المسجد الجامع.
وقد كان والده وأخوه الأكبر حمد من أهل العلم والفضل، فنشأ نشأة صالحة وحفظ القرآن الكريم وعمره إحدى عشرة سنة، وأخذ العلم من علماء البلدة، ومن قدم إليها من العلماء.

شيوخه واجتهاده:
اقتصر السعدي في طلب العلم على علماء عنيزة ومن جاء إليها، فدرس على الشيخ محمد بن عبد الكريم الشبل، والشيخ عبد بن عائض، والشيخ إبراهيم بن جاسر، والشيخ صعب التويجري، والشيخ علي بن محمد السناني، والشيخ صالح بن عثمان القاضي، ومما تميز به هؤلاء العلماء أنهم كانوا سافروا لطلب العلم خارج عنيزة، للحجاز والشام والعراق ومصر والهند وغيرها من البلاد، والتقوا بالكثير من علماء الإصلاح كالشيخ جمال الدين القاسمي والعلامة حسن صديق حسن خان والشيخ محمود شكري الألوسي، فاستفادوا علوماً ومعارف كثيرة وجديدة، وتخصص كل منهم بفن من الفنون، فتلقاها السعدي عنهم فأفادته ووسعت مداركه وجعلته رغم عدم مبارحته عنيزة مدركاً لأشياء ومعارف لا يعرفها من حوله حتى من العلماء!!
ومما عزز هذه السعة في المعرفة احتكاكه بمن جاء إلى عنيزة من خارجها كالعلامة الموريتاني الشيخ محمد الشنقيطي – والذي لم تنقطع صلته به حتى بعد رحيله، فقد بقي بينهما رسائل عبر المتنقلين بين عنيزة والزبير من طلاب الطرفين- والشنقيطي كان له دور إصلاحي كبير في منطقة الزبير والكويت وله مشاركة اجتماعية وسياسية مؤثرة، فلما سكن عنيزة لمدة 4 سنوات درس عليه السعدي علوم اللغة وتأثر به في مطالعة كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم واكتسب منه طريقته في التدريس والتي تخالف الطريقة النجدية التقليدية القائمة على التلقين.
كما أنه استفاد من المدرسين الأزهريين الذين جاؤوا عنيزة أو احتك بهم في مواسم الحج كالشيخ حامد الفقي وعبدالرزاق عفيفي وعبدالرزاق حمزة وغيرهم.
وكان لموقع عنيزة على طريق التجارة للعراق والهند ومصر دور في اكتساب السعدي بعض المعارف عن العالم من خلال أقربائه التجار والمسافرين.
هذا كله جعل من شخصية السعدي شخصية علمية متفتحة تعشق الجد والاجتهاد ولذلك سرعان ما تفوق السعدي على غيره من أقرانه، فأصبح مدرساً لهم وعمره 23 عاماً، ومن ثم "خرج عن مألوف بلده من الاهتمام بالفقه الحنبلي فقط، إلى الاطلاع على كتب التفسير والحديث والتوحيد وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، حيث فتقت ذهنه ووسعت مداركه فخرج من طور التقليد إلى طور الاجتهاد المقيد، فصار يرجح من الأقوال ما رجحه الدليل وصدقه التعليل..." كما يصف الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام شيخه السعدي.
ولم يكن هذا التطور لرتبة الاجتهاد دفعة واحدة بل مر بعدة مراحل حتى بلغ درجة التحرر من المذهب الحنبلي والتقيد بالدليل على طريقة شيخ الإسلام بعد سن الأربعين، كما يتضح ذلك من تواريخ كتبه التي أصبح يقرر فيها مقتضى الدليل، وفي هذه المرحلة ألف غالب كتبه.

ويمكن أن نفصل الدور الإصلاحي للسعدي في المحاور التالية:
1-  تفرغه للتعليم:
لقد قضى الشيخ السعدي أكثر من 50 سنة في التعليم والتدريس محتسباً لا يتقاضى على ذلك أجرا، ورفض أكثر من مرة ما عرض عليه من رواتب للتدريس والإمامة والخطابة، وفي آخر حياته قبِل أن يتقاضى راتب الإمامة ولكن كان يضعه في مصالح المسجد ولا يأخذ منه شيئا، وكان طيلة هذه السنوات يعتاش من عائد ما ورثه عن والده ووالد زوجته وما يرسله له ولداه بعدما كبرا وأصبحا يعملان، وكان زاهداً في الدنيا فكان هذا الدخل البسيط يكفيه.
بدأ السعدي التدريس وعمره 23 سنة وهو يطلب العلم على مشايخه، ومنذ عام 1350هـ أصبح مرجع الفتوى والتدريس ببلده، وبدأ يطور في طريقة التدريس بحسب ما استفاد من أساتذته الذين جابوا البلاد، فكان يجمع الطلاب على دراسة كتاب محدد، ودرّس كتباً جديدة لم يكن من المعتاد تدريسها في نجد، وكان يشاور طلابه في اختيار الكتب التي يدرّسها، ويطرح الأسئلة عليهم ويعقد بينهم المناظرات، ويقدم له الجوائز التشجيعية، وكان منظماً في وقته يجلس للتدريس يومياً أربعة أوقات: بعد الفجر حتى الشروق، وقبل الظهر حتى الصلاة، وبعد العصر، وبين المغرب والعشاء، وقد واصل الشيخ ابن عثيمين طريقة شيخه السعدي في التدريس ونجده يقول: "إنني تأثرت به كثيراً في طريقة التدريس، وعرض العلم وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني".
وقد كان السعدي يهتم بطلابه وتلاميذه ويتابع دراستهم وتحصيلهم خاصة إذا توسم فيهم النباهة والجد والاجتهاد، ومن ذلك أنه طلب من والد الشيخ ابن عثيمين أن يبقيه لطلب العلم عنده ولا يرحل به.
وقد بلغ طلابه أكثر من 150 طالبا أصبحوا من العلماء والمفتين والقضاة والكتاب والمدرسين، في كافة أنحاء المملكة وامتد أثر بعضهم لخارج السعودية كالشيخ ابن عثيمين والشيخ البسام الشيخ عبدالله العقيل وغيرهم من الفضلاء، وقد كان السعدي قدوة لهم وترك في قلوبهم أثراً كبيراً بحسن خلقه وإخلاصه وسعة علمه وحسن تربيته وتعليمه.
يقول الشيخ البسام في ترجمة شيخه السعدي: "وطلاب الشيخ الذين علمهم في المسجد الذين تولوا التدريس في المدارس والمعاهد التي فتحتها الدولة، فكان الشيخ يكتب بيده شهادة يقول فيها: إن فلانا درس علوم كذا كذا في كتب كذا كذا، وهو يصلح لتدريس هذه المواد في المستوى الابتدائي أو المتوسط أو الثانوي، وتأخذ الدولة بشهادات الشيخ التي أثبتت التجربة فيما بعد أنها معبرة عن الحقيقة أصدق تعبير".
وتولى السعدي الإشراف على المعهد العلمي بعنيزة وكان له درس كل ثلاثاء فيه بالإضافة لدروسه في المسجد، كما كان للعامة نصيب كبير من دروسه، فدرسه بعد العصر كان قصيراً وموجهاً لكل المصلين في المسجد، كما كان يتخولهم بالمواسم والمناسبات، فضلاً عن خطبة الجمعة، كما أنه كان يشارك العامة في كثير من جلساتهم ويستغلها لتعليمهم وإرشادهم. كما كان يخصص للنساء وقتا خاصا للسؤال والفتوى في داره بحضور زوجته.
وهذا الاهتمام من السعدي بالتعليم ينطلق من رؤية فكرية واضحة لحاجة الأمة للعلم وأنه الأساس الذي عليه تقوم النهضة وبداية طريق العزة والكرامة، يقول السعدي: "ومن أعظم الجهاد سلوك طريق التعلم والتعليم"، ويقول: "الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين وإصلاحهم في عقائدهم وأخلاقهم وآدابهم، وجميع شؤونهم الدينية والدنيوية، وفي تربيتهم العلمية والعملية، وهذا النوع هو أصل الجهاد وقوامه وعليه يتأسس الثاني".
نظرة طلابه له:
وصف الشيخ محمد القاضي شيخه السعدي بقوله: "كان واسع الاطلاع في فنون عديدة، ففي كل فن يخوض فيه تقول هذا فنه المختص به، وهذه مؤلفاته أكبر شاهد على ما ذكرته".
ويقول الشيخ ابن عثيمين عنه: "إن الرجل قلّ أن يوجد مثله في عصره في عبادته وعلمه وأخلاقه، حيث كان يعامل كلاً من الصغير والكبير بحسب ما يليق بحاله ويتفقد الفقراء فيوصل إليهم ما يسد حاجتهم بنفسه، وكان صبوراً على ما يلم به من أذى الناس، وكان يحب العذر ممن حصلت منه هفوة ويوجهها توجيهاً يحصل به عذر من هفا".
ويقول الشيخ عبدالله البسام: "لقد كان للشيخ عبدالرحمن السعدي أثر كبير، ودور بارز، في تخريج أفواج كثيرة من طلبة العلم".

2-  انشغاله بالتأليف:
برغم أن العلماء في بلده وعصره لم يكونوا يهتمون بالتأليف إلا أنه لما أدمن مطالعة الكتب عرف قيمة التأليف وأنه فائدته لا تقتصر على بلد أو زمان بل هي فائدة تمتد بعيداً في البلدان وطويلاً في الزمان يقول السعدي: "فكم من علماء هداة ماتوا من مئات السنين، وكتبهم مستعملة، وتلاميذهم قد تسلسل خيرهم وذلك فضل الله"، وبفضل الله أن مؤلفات السعدي اليوم يقبل عليها طلبة العلم وينهلون منها علماً صافيا مباركاً.
ولذلك رغم انشغالاته الكثيرة إلا أنه أنجز مؤلفات كثيرة زادت عن 40 مؤلفاً أهمها تفسيره للقرآن الكريم، وقد تنوعت مواضيع مؤلفاته بين فنون متعددة: التفسير والعقيدة والحديث والفقه والأصول واللغة وغيرها، وهي تمتاز باللغة السهلة والواضحة، وإيراد الحجج والأدلة النقلية والعقلية وتنويع طريقة العرض بين السرد والمناظرة والسؤال والجواب، واعتنى بتلخيص بعض الكتب الهامة بجمع قواعدها وأصولها، كما أنه اعتنى بالقضايا العصرية والنوازل العامة فكتب فيها وعرض رأيه حولها، ومن نظر في قائمة كتب الشيخ سيجد منها:
الجهاد في سبيل الله، وجوب التعاون بين المسلمين وموضوع الجهاد الديني، الدلائل القرآنية في أن العلوم النافعة العصرية داخلة في الدين الإسلامي، الدين الصحيح يحل جميع المشكلات، الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول المنحرفين، تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله. 
وهو في كتبه هذه لم يكن يتاجر أو ينتظر منها عائداً بل كانت توزع مجاناً على العلماء وطلبة العلم، وكان يساهم معه في طباعتها بعض طلابه كما في مراسلاته مع تلميذه عبدالله العقيل.

3 – إقامة المؤسسات العامة وخدمة الناس:
 حرص الشيخ على إقامة مكتبة عامة في عنيزة لتعم الفائدة فتشاور مع الطلبة وكتبوا لوزير المالية يطلبون منه الدعم لتوفير المراجع لطبة العلم، فوافق الوزير وأرسل لهم منشورات الحكومة وما وجد في مكتبات مكة وخزائن الكتب، وحين وصلت لم تكن الغرفة المتوفرة تتسع لكل ذلك، وعندها كاتب الشيخ أهل عنيزة في الداخل والخارج للتبرع لبناء مكتبة وفعلاً جاءت التبرعات من المملكة ومن البحرين والعراق والهند، وافتتحت في 1359هـ عند مدخل الجامع الكبير بعنيزة ثم أصبحت بناية مستقلة بعد تجديد الجامع، وعين لها الشيخ ناظراً ووضع له نظاما يسير عليه، وأصبحت مقر دروس الشيخ لطلابه ومقر مراجعتهم وبحوثهم، ووضعت لوحة عليها آداب التعامل مع كتب المكتبة، نظمها أحد الطلبة وهو الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان بقوله:
تأمل شروط الكتب من قبل أخذها                   وحافظ عليها فهو عون بقائها
فأولهـا رفق بهـا عند أخذهـا                         وتقليبها مع ردها في مكانهـا
وإغلاق دولاب عليهـا وبابهـا                         ومنع إخراج لها من خبائهـا
    وصل إله العرش ما هب شرقها                على المصطفي من أرضها وسمائها

وحين رأي الشيخ عند أحد أبنائه خارطة كبيرة لدول العالم وخطوط سير السفن طلبها منه ووضعها في المكتبة، وفيما بعد أهداه ابنه مجسما للكرة الأرضية، فكان الشيخ يطالعه زمن الحرب العالمية ويشرح للناس مسار الحرب ويفند لهم بعض المخاوف من وصول الحرب إليهم.
كما أن الشيخ قام بحثّ الناس على التبرع لتوسعة وإضافة مقدمة للمسجد الجامع بعنيزة عام 1363هـ، وفي عام 1373هـ حثهم على توسعة المسجد من الخلف.  
وكان الشيخ هو كاتب الأنكحة والوصايا وغيرها للناس دون مقابل وفي أي وقت، وكان هو القاضي بين الناس فعلياً لكنه رفض أن يتولاه رسمياً، وكان الشيخ يتولى نظارة بعض الأوقاف، فإذا جاء وقت الثمار وزعها من فوره على الفقراء والمحتاجين ولم يدخر شيئا عنده.

لطائف من سيرة السعدي:
* لقد كان السعدي رجل عامة يكثر مخالطة الناس لنفعهم ومن يطالع كتاب ولده وحفيده "مواقف اجتماعية من حياة الشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي" يجد مثالاً معاصراً للقدوة، في التعامل مع الزوجة والأبناء والأقارب والجيران والمجتمع.
* تعرض السعدي لعدد من الوشايات لدى الملك عبدالعزيز بدافع الحسد أو الجهالة بسبب رأيه في قوم يأجوج ومأجوج، لكن الملك والعلماء عرفوا حقيقة الأمر وأنه عالم مجتهد، ومع ذلك لم يعاتب من وشي به ولا أساء له.
* كان السعدي متابعاً للصحف والإذاعات وله مقالات في مجلة المنار التي أنشأها العلامة رشيد رضا، ومجلة المنهل السعودية، وله مراسلات مع عدد كبير من العلماء والدعاة، بل ذكر بعض الباحثين أن في مكتبة حسن البنا بعض كتب السعدي عليها إهداء بخطه للبنا.    
* نظر الشيخ إلى المخترعات الحديثة نظرة إيجابية بعكس كثير من أهل عصره، وقامت نظرته على أنها من العلوم التي علمنا إياها الله عز وجل وهو خالق هذه المخترعات وفيها دلالة على قدرته على البعث والنشور، يقول السعدي في فتاويه: "أفليس الذي علم الإنسان ما كان ناقصاً في علمه، ناقصا في إرادته وقدرته وعلمه وجميع أحواله، أليس الذي علمه هذه الأمور التي لم تكن تخطر ببال أحد من البشر بقادر على أن يحيي الموتى، وأن يجمع الأولين والآخرين بنفخة واحدة"، وألف لذلك كتابا عن المخترعات الحديثة.
* كان السعدي أول من أدخل مكبرات الصوت للمساجد في نجد، وحين اعترض عليه بعضهم وكان يلبس النظارة، نزعها عنه وقال له: ماذا تصنع هذه؟ فقال له: تقرّب لي البعيد، فقال له: والمكبر يوصل الصوت للبعيد!
* حين زار السعدي بيروت للعلاج سنة 1373هـ أهداه ابنه محمد كتابا بعنوان "دع القلق وابدأ الحياة" للمؤلف الأمريكي "ديل كارنيجي"، فقرأ الكتاب كاملا وأعجب به وقال عن مؤلف: إنه رجل منصف.
وكان له صديق يعالَج في بيروت من مرض نفسي وله سنين ولم يتحسن، فأهداه السعدي كتاب "دع القلق وابدأ الحياة"، وقال له: أقرأ الكتاب فهو مفيد جدا، وفعلاً تحسنت حالته، وطلب الشيخ من ابنه شراء نسخة ثانية للمكتبة العامة بعنيزة، وكان هذا الكتاب سبب تأليف الشيخ رسالته الماتعة "الوسائل المفيدة للحياة السعيدة" .
* كان الشيخ مدركاً لمخططات الأعداء ومكرهم السياسي والتعليمي ولذلك حذر من تدريس الأولاد في المدارس العصرية التي أقامها الاستعمار، ولم يكتف بتتبع ذلك بل اقترح عددا من الوسائل للعلاج والدفاع، يقول السعدي في كتابه المسمى وجوب التعاون بين المسلمين: "وقد علم من قواعد الدين أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن الوسائل لها أحكام المقاصد، ولا يخفى أنه لا يتم التحرز من أضرار الأمم الأجنبية والتوقي لشرورها إلا بالوقوف على مقاصدهم، ودرس أحوالهم وسياساتهم، وخصوصاً السياسة الموجهة منهم للمسلمين، فإن السياسة الدولية قد أسست على المكر والخداع، وعدم الوفاء، واستعباد الأمم الضعيفة بكل وسائل الاستعباد". وهذا يدل على سعة أفق الشيخ وبصيرته النافذة التي لم يستفد منها الكثيرون لليوم مع الأسف.
* كانت خطبته تعالج كل ما يهم المسلمين، من أمور دينهم ودنياهم، ويروي أحد المدرسين المصريين في المعهد العلمي بعنيزة أن الشيخ السعدي خطب الجمعة عن العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م وبيّن للناس حقيقة الموقف الشرعي من هجوم الكفار.
* تصدى الشيخ للشبهات الجديدة على مجتمعه من قبل العلمانيين والملاحدة، وألف في ذلك عدة كتب منها: الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول المنحرفين، تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله، وانتصار الحق.
* رفض الشيخ إقصاء الشريعة عن حكم بلاد الإسلام فقال في كتابه الرياض الناضرة: "أما عقائد هذا الدين وأخلاقه وآدابه ومعاملاته، فقد بلغت من الكمال والحسن والنفع والصلاح، الذي لا سبيل إلى الصلاح بغيره ... وكذلك أحكامه السياسية ونظمه الحكمية والمالية مع أهله ومع غيرهم فإنها في نهاية الكمال والإحكام والسير في صلاح البشر كلهم... وليس مستمدًا من نظم الخلق وقوانينهم الناقصة الضئيلة، وبهذا وشبه نعرف غلط من يريد نصر الإسلام بتقريب نظمه إلى النظم التي جرت عليها الحكومات ذات القوانين والنظم المقصورة ... وقد ابتلي بهذا كثير من العصريين بنية صالحة، ولكنهم مغرورون مغترون بزخارف المدنية الغربية التي بنيت على تحكيم المادة وفصلها عن الدين فعادت إلى ضد مقصودها فذهب الدين ولم تصلح لهم الدنيا".
    
وفاته رحمه الله:
توفي الشيخ السعدي سنة 1376هـ في بيته وذلك بعد أن أصيب بمرض ضغط الدم، وعمره 69 عاماً، وصلي عليه في مسجده حيث اجتمع الناس من عنيزة وما حولها من القرى، وسمع أحدهم عجوزاً تقول عن الشيخ: نجم هوى!
قال فيه العلامة محمد حامد الفقي الذي طبع له بعض كتبه والتقاه بالحج عدة مرات: "لقد عرفت الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، من أكثر من عشرين سنة، فعرفت فيه العالم السلفي المحقق، الذي يبحث عن الدليل الصادق، وينقب عن البرهان الوثيق، فيمشي وراءه لا يلوي على شيء... عرفت فيه العلم السلفي الذي فهم الإسلام الفهم الصادق، وعرف فيه دعوته القوية الصادقة إلى الأخذ بكل أسباب الحياة العزيزة القويمة الكريمة النقية... ".
ورثاه الشاعر عبدالله العثيمين فقال:
كتب الفناء على الأنام جميعهم

سيان فيها فاجر ومطهر

لكن من اتخذ الصلاح شعاره

تفنى الخليقة وهو حي يذكر

ما مات من نشر الفضيلة والتقى

وأقام صرحا أسة لا يكسر

ما مات من غمر الأنام بعلمه

الكتب تشهد والصحافة تخبر

يا ناصر الإسلام ضد خصومه

لك في الجهاد مواقف لا تحصر

قد كنت للدين الحنيف معضدا

وبشرعه الهادي القويم تعبر


مراجع للتوسع:
·        مواقف اجتماعية من حياة الشيخ العلامة عبدالرحمن السعدي، محمد السعدي ومساعد السعدي.
·        الفكر التربوي عند الشيخ السعدي، د. عبدالعزيز السعدي.
·        الجهود الدعوية والعلمية للشيخ عبدالرحمن السعدي، عبدالله الرميان.
·        الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، عبدالله الطيار.