الجمعة، 30 مايو 2014

الآثار المروية في مساوئ الصحابة رضي الله عنهم



قال الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله وفك أسره 
 
ومـا جـاء مـن الآثار المروية في مساويهم فهي على ثلاث مراتب :
أولها : ما هو كذب محض لا يروى ولا يعرف إلا من روايـة أبي مخنف لوط بن يحيى الـرافضي الكذاب ([1]) أو سيف بن عمر التميمي صاحب كتاب ( الردة والفتوح ) وهو ليس بشيء عند أهل الحديث ([2]) أو الواقدي المتروك  ([3]) أو غيرهم  ممن لا يعتمد عليهم ولا على مروياتهم وهـم عمدة خصوم الصحابة - رضي الله عنهم - في نقل المساوي والمثالب والوقائع الملفقة وما كان أهل الحديث ونقاده وجهابذة الجرح والتعديل يعتمدون على واحد منهم لعدم ضبطهم وكثرة كذبهم .
ثانيها : ما صح سنده ، وله محمل حسن ، فيجب حمله عليه إحساناً للظن بهم ، فهم أحق الناس بهذا وأولاهم بحمل ألفاظهم وأفعالهم على أحسن مقصد وأنبل عمل ، ومن أبت نفسه الخير، وحرمت سلامة القصد ووثب على مقاصد وألفاظ أئمة الدين ، وجعل من المحتمل زلة ، ومن الظن جرحاً ؛ فقد عظم ظلمه وغلب جهله وناله من الحرمان ما نال أمثاله من مرضى القلوب .

ثالثها : ما صدر عن محض الاجتهاد والشبهة والتأويل ، كالوقائع التي كانت بينهم ، وغيرها من الأمور القولية والفعلية ، فهذه أمور واردة عن اجتهاد وتأويل ، فللمصيب فيها أجران وللمخطي أجر واحد ، والخطأ مغفور ، لما روى البخاري (7352 ) ومسلم (1716) من طريق  يزيد بن عبدالله عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) .
فمن أفتى أو حكم أو قضى أو قال بخلاف الحق لشبهة قامت عنده أو سنة لم تبلغه أو تأويل له وجهه فإنه يثاب  على هذا الاجتهـاد والخطأ مغفور ، كما دل عليه هـذا الخـبر وكما قال تعالى في دعـاء المؤمنين : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } ( سورة البقرة (286) ) وفي صحيح مسلم ( 2/146 نووي ) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً : (( أن الله تبارك وتعالى قال : ( قد فعلت )) .
وهذا الأصل مما اتفق عليه أهل السنة والجماعة وخالفهم الخوارج     والمعتزلة ومن شابههم فلم يعذروا هذا الصنف من المجتهدين المتأولين وألحقوا بهم أدلة الوعيد وجعلوهم من المذمومين الضالين .
      وهذا من فساد القلوب والجور في الحكم . فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أن المجتهد المخطيء مرفوع عنه الإثم سواء تقدم عهده أم تأخر . ومن طعن فيه بالهوى وألحق به أدلة الوعيد على التعيين ورماه بالضلالة والبدعة فقد قال مالا علم لـه به وشابه في ذلك الخوارج المـارقين ولحقه من الذم ما لحق أشباهه من المعتدين .


([1]) قال عنه ابن معين : ليس بشيء ، وقال ابن عدي في الكامل (6/2110: ) ( وهذا الذي قاله ابن حبان يوافقه عليه الأئمة ، فإن لوط بن يحيى معروف بكنيته واسمه ، حدث بأخـبار من تـقدم من السلـف الصالحين ، ولا يبعد منه أن يتناولهم وهو شيعي محترق  ) وقـال الـذهبي ( 3/419) ( إخباري تالف لا يوثق به ، تركه أبو حاتم وغيره ) .
([2]) قـال عنه ابن مـعين – الكـامـل لابن عـدي (2/1271) : ( فلس خير منه ) وقال أبو داود – تهـذيـب الكمـال ( 12/326) - : ( ليس بشيء ) وقال ابن حبان في كتابه المجروحين ( 1/340) : ( اتهم بـالـزندقـة يـروي الموضوعات عن الإثبات) وذكر الإمام الدار قطني في الضعفاء والمتروكين ص ( 104) ، وقـال الفسوي – المعرفـة والتاريخ (3/58) - ( سيف حديثه وروايته ليست بشيء ) .
([3]) وهو خير من أبي مخنف ، وسيف عـلى ضعـفـه الشديـد ، قـال عنـه يحيى بـن مـعـين – التارخ (2/532) - : ( ليـس بشيء ) وقـال على بن المديني – تهذيب الكمال ( 26/187) ( الهيثم ابن عدي أوثق عندي من الواقدي ولا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب ولا في شيء ) ، وقد تركه الإمام البخاري ومسلم وأحمد والنسائي والحاكم وانظر في ذلك ميزان الاعتـدال ( 3/622) وتهـذيب الكمـال ( 26/180-194) والمجروحين لابن حبان ( 2/290) .