الجمعة، 9 مايو 2014

أحمد فرح عيد عقيلان

ولد الشيخ والأستاذ والداعية والشاعر الأديب الراحل أحمد فرح عيد عقيلان (رحمه الله) في الفالوجة عام 1924م، ونشأ في بيت علم ودين (فوالده عالم الأزهر الجليل الشيخ فرح عيد عقيلان), وهو من عائلة قدمت الكثير من الشهداء في سبيل الله.
بدأ تعليمه الثانوي في مدينة غزة، وأكمله في المدرسة الرشيدية بالقدس، وتخرج منها بشهادة الاجتياز إلى التعليم العالي سنة 1942م. ونـــال الشهادة العليا لمدرسي الثانوية عام 1946م، ثم عمل مدرساً للغة العربية في بعض مدن فلسطـين كرام الله وغزة، انتقل إلى خان يونس بعد نكبة 1948م، ودرّس فيها وأسس هناك جماعة الإخوان المسلمين (مع الشيخين الفالوجيين الجليلين محمد حسين أبوسردانة وناجي السعافين)، ثم في عام 1957 هاجر إلى السعودية ودرّس فـي معهد العاصمة النموذجي (معهد أنجال الملك) بالرياض من عام 1957 حتى عام 1976 , وعمل مديراً للأندية الأدبية برئاسة رعاية الشباب ثم مـسـتشاراً بها، عمل كمستشار للامير الراحل -المغفور له بإذن الله- فيصل بن فهد للشؤون الثقافية, كان مؤلفآ لمناهج مواد اللغة العربية بوزارة التعليم السعودية. وكان كذلك إمامآ وخطيبآ لمسجد الخيال بحي النسيم في الرياض.

ولقد عرّف به بعض الكتاب والنقاد، فأعطوه بعض حقه مــن الدراسة والتعريف، وإعتنوا بدراسة شعره، وبينوا مظاهر شاعريته وأدبه، منهم: د. صالح الشنطي، و د. مأمون فريز جرار، وأحمد الجدع، وحسني أدهم.
حين توفي نشرت مجلة البيان عن وفاته مقالا بقلم الأستاذ أحمد عبدالعزيز العامر بعنوان (البلبل الذي صمت), والمجلة العربية نشرت مقالا بقلم الأستاذ عبدالله بن سليم الرشيد بعنوان (أحمد فرح عقيلان: شهاب خبا).

ووجه - رحمه الله - بعد وفاته تبعآ لسنة الحياة بعقوق، لا سيما ممن كانوا يعدوا من مريديه وتلامذته، والأدباء والنقاد, حيث لم يكتب عنه إلا قليل منهم، ومما يذكر ما كتبه الأستاذ عبدالله بن سليم الرشيد في ذكر ما له من شاعرية وما يحمله من هموم إسلامية، ولقد دافع عن شيخنا ضد من أعتبروا كونه شاعر وعظي منقصة له، متسائلآ: "..هل من العجب أن يكون الواعظ أديباً، أو الناقد والشاعر واعـظاً، هذا إذا فهمناالوعظ بالمعنى الشامل الذي يدخل فيه التذكير المباشر وغير المباشر كالأسوة الحسنة مثلاً، ومع ذلك: فلا تنافر بين الأدب والوعظ ما دام ذلك الأدب مستوفياً شروط الإبــداع صـيـاغــة ولفظاً، وكفى بكلام الله واعظاً وهو الحجة البالغة..".

ولقد وصف الأستاذ أحمد عبدالعزيز العامر شاعرية الشيخ بأنها "..يلمحها المتذوق للشعر في ثنايا ديوانيه بما يهز سامعه هزّاً، ويثيره شجناً، ويحلق بالقارئ إلى آفاق رحبة، يلمس فيها صدق العاطفة وجمال العبارة ووضوحها..".

وكان عضوآ في رابطة الأدب الإسلامي العالمية, ومن نتاجه الفكري والأدبي كتبه: (أبطال ومواقف) عن دار بن حزم, وله دراسات في النقد الأدبي كجناية الشعر الحر: نادي أبها الأدبي - السعودية 1982، والأصالة والحداثة : نادي الطائف الأدبي - السعودية 1986 وهذان الكتابان بالذات أثارا ضده الكثير من الشعراء والأدباء, وكذلك مريديهم من النقاد (أنصار المدارس الحداثية في الشعر).

طبع للشيخ ديوان شعر: (جرح الإباء) نادي المدينة المنورة الأدبي - السعودية 1980، و(رسالة إلى ليلى) نادي المدينة المنورة الأدبي - السعودية 1981، و«لا يأس»: دار المعراج - الرياض، السعودية 1998.(الذي نشر بعد وفاته). وكذلك ديوان شعر تحت عنوان (أحمد فرح عقيلان -الأعمال الكاملة), وقد علق على ديوانه أو أعماله الكاملة, ناشرها (صاحب بيت الأفكار الدولية للنشر) قائلآ: "...هذا الديوان نبض شاعر، جسد الوطن في الرؤية والرؤيا، وعاش الواقع بكل تفاصيله، ليرسم، ويلون ولتتدفق ينابيعه رقراقة، شفافة حتى إنك لترى آلامه، وعواطفه بصدق وعفوية على مساحة من ورق...".

علاوة على ما سبق فمن ضمن نشاط الشيخ هو الدعوة والتفسير البياني للذكر الحكيم حيث كان يقدم أيضآ برنامجآ في إذاعة القرآن الكريم, عنوانه (لطائف التفسير).

وأود هنا تقديم بعض نماذج من شعره:

بدءآ بقصيدته الشهيرة "أحقا أن إسرائيل جاره" والتي ألقاها في الرياض عام 1988م, بين يدي المغفور له جلالة الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود والمغفور له الزعيم الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات ( تغمدهم الله جميعآ بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته), في هذه القصيدة يقول شيخنا الجليل:

أحقا أن إسرائيل جاره وأن لها ذماما أو طهاره ؟؟
وهل شارون ذباح اليتامى له غير الجريمة من تجاره؟؟
وأمريكا هل إنعطفت إلينا فتصبح للعروبة مستشاره ؟؟
وقد رضخت لصهيون جهارا فلم تأذن لياسر بالزياره ؟؟
وأية قسمة ضيزى رضينا يمين الله صفقتنا خساره !!!
وهل ذهبت مذابحنا هباء وهل ينسى الكريم الحر ثاره ؟؟!!!
وأرضي في الفلوجة أين ضاعت وأين دماء أطفال الحجاره ؟؟!!!
أيصفع كافر أمي وأختي وأزعم أنه ترك القذاره ؟؟ !!!
يكسر خصمنا عظم الصبايا ونهتف للسلام وللحضاره !!!
وحاخامات صهيون أحالوا مساجدنا وكورا للدعاره
وللمستوطنين سموم حقد ستصلي كل موطننا دماره
أنشحد دولة من كف لص ؟؟ أيستجدي الأبي الشهم داره ؟؟
وهل وطن يشحده عدو ؟؟ عريق في الدسائس والحقاره
وبعد عذابنا خمسين عاما تمخضنا فكان الحمل فاره
ومازال الأحبة في سجون يسومهم العدو النذل ناره
غدا سترى شواطئنا الغوالي بهن لكل ساقطة عماره
غدا سترى اليهوديات سربا بزي تستحي منه الحماره
غدا سيدوس مصحفنا كهانا ويسمع منبر الأقصى خواره
وفي حرم الخليل ترى الزواني يبعن مخدرات في المناره
أبا عمار يا نور الضحايا معاذ الله أن تنسى الإناره
عدوك ثعلب وله خداع يضيع على مجاهدنا انتصاره
وهاهو ينصب الشرك المعمى ليلعب بانتفاضتنا قماره
رأى أطفالنا نحروا الشكاوى فخاف على اليهودي انتحاره
أبا عمار حولك ألف غدر وألف مخادع سلس العباره
وحولك ألف حاخام حقود لحاهم في الجريمة مستعاره
وأنت أخو المعارك والضحايا ولست أخا المناصب والوزاره
نشدت المجد في القمم العوالي ولم تنشده في طبل وطاره
وثورتك العظيمة تضحيات فحاذر أن تحولها تجاره
ولم تفتأ على الذروات حتى رفعت لشعبنا في النجم داره
رأت بيروت منك ثبات طود يزلزل كل يوم ألف غاره
فما وهنت عزائمك المواضي ولا خفت العدو ولا حصاره
وأحببناك من ثوار حق ولم نحببك من خطباء حاره
أبا عمار شعبك ليس يرضى سوى الإيمان يرفعه شعاره
وعلمانية التعساء لغو رخيص لا يساوي ربع باره
فما صعق العدا إلا لأنا نحتنا من عقيدتنا الحجاره
ولولا جذوة الإيمان فيها والإستشهاد ماخاضت غماره
أبعد الموت في لهب الشظايا نعود للإنتهاز وللشطاره ؟؟ !!!
أبا عمار أنت غرست غرسا من الشهداء لم نقطف ثماره
وماضيكم تتيه به المواضي وحاضركم تشيد به الحضاره
أخاف عليك يابن أخي وعودا لها ينع وليس لها عصاره
شعار البندقية ليس ينسى وحر القوم لا يلقي شعاره
جنودك بإنتفاضتهم أفادوا بأن النصر للإيمان شاره
وإخوتهم حماس شاركوهم وسام الخالدين وعن جداره
وما طلبوا بتضحية عروضا وقد باعوا الحلاوة بالمراره
فحاذر من مؤامرة الأعادي على أهل البطولة والطهاره
عدو الله خطط أن يرانا يقتل بعضنا بعضا جهاره
له في محكم القرآن وصف يرابي تارة ويقود تاره

- من قصيدته (يقول لنا الشهيد) والتي قالها حينما بلغه رغبة حكومة وأهالي الشهداء المصريين بعد حرب 1948م, نقل رفات شهدائهم, الذين قضوا نحبهم على ثرى فلسطين:

يقول لنا الشهيد دعو عظامي فـمـا في الديــن مصري وشامي
دعوني واطلبوا ثأري فـإنــي لقتل من استباحوا الحق ظامي
أليست روضة الشهداء حولي ونور المسجد الأقـصــى أمامـي
فلسطين الجريح مكان روحي ووجهة الانـبـيــاء بهـا إمامي

- ومن قصيدته (صرخة الأقصى) يقول:

صـوت من المسجد الأقصى يناديني إلى فـدائـيـــة الإيمان يدعوني
يصـيـح والصـخـرة الغراء خاوية أيـن البطولات في الغر الميامين
أَبعْد أن زفني عـمرو إلى عـمر في هـالة المجد والقرآن والدين
يـعـربد الكفر مخموراً بمـئـذنـتــي ويستهـين بقــدسي كل ملعون؟

- ومن ديوانه الأول "جرح الأباء" قصيدة بعنوان "قذائف الكلام" يقول فيها:

يا بني العرب يا حماة البيد أين عشق العلا وعزم الأسود
إن ألفي قذيفة من كلامٍ لا تساوي قذيفة من حديد
لا ترد الحقوق في مجلس الأمن ولكن في مكتب التجنيد
الشكاوى إلى المجالس لغوٌٌ وأزيز الرصاص بيت القصيد


- ومن نشيد: "هداة صرخة" يقول شيخنا الجليل:

حطّمت قيثارتـي قطّعـت أوتـاري
ولّى الغِنـاءُ ودقّـت ساعةُ الثـار
ماذا أُغنّي وتاريـخ العروبـة فـي
مستنقـع الذُّلِّ والتشريـد والعـار
والقدس والمسجد الأقصى وصخرته
عـاد الأذانُ بهـا تهريـجَ كفّـار
كأن قبـر صلاح الدين من غضـب
يكاد يقـذف وجه العـرب بالنـار
يصيـح يا عربٌ يا أهل العقيدة يـا
نسـل الصحابة من صِيدٍ وأطْهـار
بالأمس دوَّخْتِ أوروبا بما حشـدت
واليـوم تهزمكـم شـذاذ أشـرار
لـمـا حَملـت لـواء الله أيـدنـي
وعـاد (ريكارد) قلبُ الليث كالفـار
ورفرفت رايـةُ الإسـلام تحرسنـا
كأنّمـا خَفْقُهـا أنفـاسُ إعصـار
الله أكبـرُ فـي حطّـينَ صرختنـا
أمـا الشِّعار فدين الخالق البـاري

- ومن قصيدته (شباب وخنافس) يقول:

أفدي الشباب الطامحين إلى العُلا متسلحين بُطولة وصمودا
دَمِيَتْ على شوك العُلا أقدامهم فَجَنى بها الوطن الحبيب ورودا
لهفي على ابن الأكرمين مُخنفسا رخصاً يُسابق في الدَّلال الغِيدا
مُستَعبَد التفكير خلف عدوّه كالقرد يقضي عمره تقليدا
بسوالفٍ وسلاسل وأظافر يعصي الإله لكي يُطيع يهودا
الشَّعر مُنسدل على أكتافه يتسلّح الأمشاط لا البارودا
والضَّيِّق الشفاف صوّر شكله أنثى وصيّر عقله محودا
فالكعب عالٍ والقميص مُزخرف وغداً ترى خالاً له ونهودا !!
إن كان يُكره للفتاة تبرّج أنكون نحن المائسين قُدودا ؟

- ومن قصائده الجميلة "لا يأس" يقول:

لا يأس مهما غرقنا في ماسينا وأمعن الكفر ذبحا في ذرارينا
لا يأس فاليأس كفر في عقيدتنا وماارتضينا سوى اسلامنا دينا
لا يأس مهما سبحنا في مذابحنا ولو جرى بدم الثوار وادينا
نبينا في ظلام الحزن أسوتنا وربنا في دجى الالام هادينا
لا يأس حتى لو ان الغرب كلهم مع العدا أغمدوا أسيافهم فينا
هل تحسبون أسود الغاب ان حبست تنسى عرين المعالي في فلسطينا
نظل أسدا ولو قصت مخالبنا مهما تمادت كلاب المسخ تعوينا
ولا فقدنا على التشريد عزتنا وهل نهون و دين الله يعلينا
من اليهود؟! يمين الله لو تركوا لشعبنا لمسخناهم بأيدينا
في كل يوم لنا قصف و مذبحة وهجرة عن حمى الأوطان تقصينا
لو المصائب آلاف نهضت لها لكن مصائبنا أمست ملايينا
يا أهلنا لن تروا إلا أخوتنا فالله من عرشه العالي يؤاخينا
ياليت شعري غداة الموت يحصدنا أما سمعتم صراخا من مغانينا

- ومن قصائده الجميلة "رسالة إلى ليلى" يقول:

بعد التحيـة وأزكـى السـلام أخبارنا ليست على مـا يـرام
الربع يـا ليلـى عفـاه البلـى والروض في وطني جفاه الغمام
والبلقع المهجـور مستوحـش مـا أثمـر مـن ستيـن عـام
والحـب يـا ليلـى وأحلامنـا جفت على قبر الشهيـد الهمـام
والمسجد المحزون فـي قدسنـا فيه الندامـي يشربـون المـدام
لم يبـق مـن آثارنـا حولـه إلا بقايـا مـن دمـاء الإمـام
أبعد هـذا يـا منـى مهجتـي أطرق أحلام الهـوى أو أنـام
لا عشت يا ليلى إذا لـم أثـر كما يثور الليـث إذ يستضـام
شعبك يـا ليلـى وإن شـردوا قوافل مـن كـل شهـم همـام
ما استكانوا يوما وما استرهبوا بـرهـيــب الـحـمــام
تجـارة الأرواح فـي سوقهـم وغيرهم قد تاجـروا بالكـلام
فإيـاك يـا قـدس أن تيأسـي فالحق أقوى من جيوش الظلام

- ومن روائع قصائده "جنة الله في أرضه" نذكر هنا:

أفدى التى علمتنى كيف أفديها
وأتحفتنى نظيم الدر من فيها
أبهى من الورد فى أبريل بسمتها
إذا رأتنى أغنى فى مغانيها
كان الجمال الفلسطينى يأسرنى
فيها وحلية آداب تحليها
لهفى عليها فلسطينية نظمت
فيها الملاحة فى أبها معانيها
لو أن قيسا رآها فى صواحبها
لقال يا ليت ليلى من جواريها
كانت على قمة شماء دارتها
وحولها مرج رام الله وواديها
وكان شرخ شبابى عارما غزلا
يسوقنى رغم أنفى نحو أهليها
ما زلت أذكر فوق الغيم شرفتها
والسحب تطعمها ثلجا و تسقيها
فى ذلك اليوم كنا فى السماء معا
والجو بالبسمة العذراء يغريها
لكن فاتنتى صفراء ساهمة
كأنما موكب الأفراح يبكيها
تشير لى جهة الغرب البعيد
إلى مدينة قد بدت غبرا مبانيها
تقول لى تلك يافا أين آهلها
أيام يافا عروس فى شواطيها
هل تبصر البحر معطارا نسائمه
تهدى شذى برتقال من مجانيها
والله ما حلية فى الأرض حالية
إلا بدت فى فلسطين تحليها
البحر فى الغرب حيا من مصايفها
والبحر فى الشرق ميتا من مشاتيها
والحقل يتحفها تينا على عنب
والبرتقال رحيق الخلد يسقيها
والحقل يمتد من عكا إلى رفح
فى مطرف السندس الغالى يجليها
تعجب المتنبى من بحيرتها لما
راى كل أشكال المنى فيها
الموج يهديك بردا من أواسطها
والغور يعطيك دفئا من شواطيها
وعمة الشيخ فى تموز تبرزها
وحمة الغور فى كانون تدفيها
والنهر يحكى عن اليرموك ملحمة
المجد يلحمها و الفخر يسديها
فى أرضنا كل ما فى الأرض من متع
سبحان مودع أسرار السما فيها
كل النبوات فى أحضانها درجت
تأوى إلى المسجد الأقصى فيؤيها
عفوا حنانيك يا مسرى محمدنا
يا صخرة المجد أعيت من يساميها
فداك نفسى وأولادى و ملك يدى ما
أشرف الروح للأقداس نهديها
يا لهف نفسى أحقا أن صخرتنا فى
القدس فد عاث أنجاس الورى فيها
وهل صحيح بأن المومسات بها
صيرن أقداسنا حمرا لياليها
يا أمة دفنت فى الرمل هامتها
كى لا ترى الواقع المهزوم يخزيها
أما سمعت بأولى القبلتين وقد
تبختر الكفر فى أقداسها تيها
أين الملايين للشيطان نرخصها
فإن دعانا نداء المجد نغليها
إذا القمار لنا مدت موائده
بالراح والغادة الشقراء تسقيها
فنحن أكرم أهل الأرض قاطبة
ترى ملاييننا كالرمل نذريها
شتان من همه كأس و غانية
ومن على القمة الشماء يحميها
لو أن همى عدوى ما اكترثت به
لكن أخى حول "إسرائيل" يحميها
وكلما عظمت بلواى فى بلدى
رأيت أحبابنا زادوا بلاويها
سريت ليلا إلى خصمى أؤدبه
والروح فى راحتى أرخصت غاليها
والبندقية من زوجى ذخيرتها
باعت قلادتها بخسا لتشريها
حتى وصلت حدودى و الثلوج على
رأسى و قد خنقت روحى دياجيها
حتى شممت شذا حطين من صفد
يسرى على كبدى الحرى فيشفيها
ورحت أنظر عن قرب إلى بلدى
ونار ثأرى تصلينى فأصليها
وإذ على كتفى وسط الظلام يد
تصيح باللهجة الفصحى حراميها
فأشرق النور فى قلبى وقبت
إذا هذه العروبة جارتنى ضواريها
ودمت أهتف هيا مرحى يا أخى
وهلا يا للأخوة ما أحلى معانيها
ظننته جاء فى الظلماء ينجدنى
ورحت أوسعه شكرا و تنويها
فقال ألقى بهذى البندقية
يا وراح يوسعنى شتما و تشويها
فقلت يا حارس الأعداء يا بطلا
بعض البطولات تؤتى من مخازيها
هذى القنابل من قوتى ومن عرقى
والبندقية روحى لا أخليها
الشجب و السب و الإنكار أسلحة
ما عاد شعبى بقطمير يساويها
درس العلا من صلاح الدين علمنا
أن البطولات تؤتى من أعاليها
ما نفع ألف خطاب صارخ زلق
تكفيك لحظة صمت من فدائيها
لن نشحذ الحق من لص و مغتصب
هذى السياسة حاميها حراميها
إن شئت فاذهب معى فالقدس منتظر
هذى الكرامة فى أسمى معانيها
يا أمتى فى ظلام الليل لا تهنى
لا يطلع النور إلا من دياجيها

- ومن قصيدة "إلى فتاة العصر" نذكر هنا:

ماذا يضرك لو سترت جمالا وحجبت عنا رقة ودلالا
يا من تعرت للرجال غواية ليس الجمال مع الحياءمحالا
هذا جمالك عرشه ومكانه في بيت زوجك لو أردت حلالا
قلدت قوما خالفوك بدينهم ولبست من أزيائهم أشكالا
إن الجمال من الإله كرامة للسالكات طهارة وكمالا
رفقا بحالك يا فتاة زماننا صوني جمالك وأكسري الأغلالا
وتحرري من واقع متهتك كوني فتاة تصنع الأجيالا
وثقي بنفسك أنت سر حضارة عظمت وأعطت للورى أبطالا
وتعلمي صنع الرجال فاننا في حال حرب نستزيد رجالا
ولقد فخرنا في القديم بمثلها أسماء ليلا تقطع الأميالا
تفدي الرسول وصحبه بحيائها وهي الفقيرة تلبس الأسمالا
لكنها عظمت بيقظة قلبها وهي التي ضربت لنا الامثالا
لو كان في كشف الجمال تقدم ماكان حرمه الإله وقالا
غضوا من الأبصار والتمسوا التقى وتأدبوا برسولكم والآلا
ليس الجمال بنوع ثوب يرتدى فالثوب لا يعطي النفوس جمالا
لكنما هو في فؤاد طاهر عرف الحياة فضيلة وكمالا

- ومن قصائده الساخرة "قصيدة البنات":

يقولون أحمد ما حيره
ومابال أيامه مدبرة
عرفناه كالعندليب الطروب
فما لقريحته مقفرة
ولو كشفوا ماتكن الضلوع
لألفوا بداخلها مجمرة
سأكشف للناس عن بلوتي
ليلتمسوا واسع المعذرة
رفضت جبالية عن قلى
نعم قتل المرء ما أكفره
ولو كنت أدري بهذا البلاء
رضيت ينقلي إلى بربرة
خدعت بما قيل في الآنسات
وقلت النساء شفا عنترة
وقل بشير ستحظى هناك
حياتك في روضة مزهرة
وتلقي على مسمع المسلمات
خلاصة أفكارك النيرة
فتسمن من بعد هذا النحول
ويصبح جسمك كالقنطرة
ظننت الإناث رقاق المزاج
وإذ هن أعنف من عنترة
وقلت أكون كراعي الظبا
وإذ بي كمن ثوّر المدبرة
وقلت سأسمع سجع الحمام
وإذ هن يزأرن كالقسورة
وأشعر عند دخول الفصول
كأني أحاصر مستعمرة
فهذي تلوث فستانها
وهاتيك قد كبت المحبرة
وتلك تزيل الدموع السجام
وتصرخ قد ضاعت المسطرة
أعلمهن أصول الصلاة
ومايكفل العيشة المثمرة
فيسألنني عن طبخ الكرنب
ونقع المخلل بالكزبرة
وفي الفصل خمسون عفريتة
طوالا يعشن على المسخرة
فإن صحت يامسلمات استحين
أجبنك بالضحك والثرثرة
وطورا تسل سلاح الدموع
فينقلب الفصل كالمقبرة
ويحك إن صباح البنات
كأكل الفسيخ بخبز الذرة
وتعتقد امرأتي أنني
سأعلق في خلقة مقمرة
ووالدتي من بقايا العصور
تموت من المرأة المسفرة
توبخني كلما سبحت
على هذه العيشة المنكرة
تقول أتدخل صف البنات
وعينك فاغرة مبصرة
فقلت لها يارعاك الإله
ونوّلك المنح الخيرة
أيعصب واحدنا ناظريه
فيصبح كالبغل في المعصرة
يمينا إذا طال هذا
المقام لأرتحلن إلى أنقرة
وأهرب ركضا إلى الدردنيل
وألقي بنفسي في مرمرة
رويدك فالحال دوما يحول
ولابد للعسر من ميسرة
إذا شئت موتك قبل الأوان
فسلم مقاليدها للمرة

- ومن قصائده المهداة للفالوجة "إلى بلدتنا' حيث يقول فيها:

أتذكرني أتذكر أحمدا
أنا مانسيتك رغم ما فعل العِدا
في كل شبرٍ من ثراك تشدّني
ذكرى شبابي عاطرًا ومورَّدا
فالوجتي الزهراء يا حلمَ المنى
روحي فداكِ وأنت أغلى مفتدى
منذ افترقنا يا حبيبةُ لم أزل
عبدًا وكنت على ترابك سيّدا
واللهِ منذ فراقنا ما لذَّ لي
عيشٌ ولا برح الفؤاد مشرَّدا
والعمرُ بعدك يا حبيبةُ قد غدا
سجنًا من الموت البطيء مؤبَّدا
يا ليت شعري هل أقبِّل أرضَنا
وأرى جماعتَنا تؤمّ المسجدا
وأرى شيوخي يُتحفون حياتنا
علمًا يشعّ عبادة وتهجُّدا
ويضمّنا سحرُ الأصيل بنزهةٍ
في المرج أو في الشعب أو وادي الندى
وأرى حكورتنا وبرشوميَّها
والإخوةَ الأحباب قد شحذوا الـمُدى
والنارُ تُوقَد والفريكة تُشتَوى
وروائع المقثاة يُرضعها الندى
وضيوفنا قد نوَّروا جلساتِنا
وشباب حارتنا يُعدِّون الغدا
والسامر المعمور يُعلن عرسَنا
والشاي يهدر في القدور معربدا
والخير قد ملأ الجرون مبشِّرا
أن العرائس مهرُهنَّ استحصدا
يا عذبةَ الأنفاس يا حلمَ الهوى
ضاعت حياتي بعد فرقتنا سُدى
لو كنتُ أعلم أننا لن نلتقي
لثويت فيكِ ولو تجرَّعتُ الردى
من ذكرياتك كلّ شيءٍ خالدٌ
ما فيك ما يُنسى ولو طال المدى
الجسرُ يا لَلجسر يا لروائه
أيامَ كان السيل موجًا مزبدا
والبئر يا للبئر يا لجماله
إذ كان يومًا للعذارى موردا
قد كان لي رشأٌ أغنّ إذا غدا
للبئر يملأ لم أزل متصيِّدا

ترك الشيخ من وراءه أولادآ متميزين ومقتدين بهدي أبيهم وخلقه وهم: الدكتور محمد والمهندس سعد والأساتذة عبدالله والمرحوم خالد وحسن وأيمن وبشير وحاتم والدكتور زهير.

إنتقل الشيخ الجليل إلى رحمته تعالى عز وجل وإلى جواره الكريم; في موضع طاهر وفي بيت من بيوت الله, وفي خير ميقات وموعد حيث كان الشيخ يؤم الناس في صلاة العشاء, يوم الأربعاء الحادي عشر من شوال لعام ١٤١٧ للهجرة; الموافق 19/2/1997م بعد حياة أفناها بالعطاء والدعوة والإبداع، فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيج جناته.