الاثنين، 20 يناير 2014

الصبر




معنى الصبر
معنى الصبر معلوم مستقر في النفوس ، وقد تنوعت عبارات العلماء في التعبير عنه، ومن أجود هذه العبارات فيما أحسب .
- قال أبو عبيد: أصل الصَّبر الحَبْس وكل من حَبَسَ شيئا فقد صبره.
- قال أبو حيان: الصبر حبس النفس على المكروه.
- قال ابن تيمية: الصبر فيه جمع وإمساك ولهذا قيل: الصبر حبس النفس عن الجزع.
- قال ابن القيم: الصبر هو حبس النفس عن محارم الله، وحبسها على فرائضه، وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره.
- قال ابن حجر: أحسن ما وصف به الصبر أنه حبس النفس عن المكروه وعقد اللسان عن الشكوى والمكابدة في تحمله وانتظار الفرج.
منزلة الصبر:
والصبر له فضائل عظيمة وقد ذكرالله الصبر في القرآن في مواضع كثيرة ، قال الإمام أحمد رحمه الله: (ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعا).
وقد أحسن ابن القيم رحمه الله في كتابه عدة الصابرين في ذكر هذه المواضع وتصنيفها تصنيفاً حسناً فليراجعه من أراد الاستزادة.
قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} وقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}.
- وبين أن الصبر واليقين سبب لنيل الإمامة في الدين،فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والصبر ضياء) رواه مسلم.
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر)) متفق عليه.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها)) متفق عليه.
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال ((الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله)) رواه وكيع في الزهد موقوفاً بإسناد صحيح، وروي مرفوعاً بإسناد ضعيف.
وروى عبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (خمسٌ احفظوهن، لو ركبتم الإبل لأنضيتموهن قبل أن تدركوهن: لا يخاف العبد إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحيي جاهل أن يسأل، ولا يستحي عالم إن لم يعلم أن يقول الله أعلم، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد إذا قطع الرأس نتن باقي الجسد، و لا إيمان لمن لا صبر له).

أنواع الصبر:
والصبر له أنواع ثلاثة:
1: الصبر على طاعة الله.
2: الصبر عن معصية الله.
3: الصبر على المصائب المقدرة
والمسلم مطالب بهذه الثلاث كلِّها،
فمثال الصبر على طاعة الله قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} وقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}.
وأما الصبر عن المعصية، فكل من أمسك عن معصية فقد صبر عنها، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه طريق الهجرتين عشرة أسباب تعين على الصبر عن المعصية ألخصها لكم في كلمات ومن أراد الاستزادة فليراجعها وحبذا لو نقله أحدكم لينتفع به.
1: العلم بقبح الذنب وأنه شر في نفسه.
2: الحياء من الله.
3: قصد المحافظة على نعم الله، فإن المعاصي تزيل النعم.
4: خوف الله تعالى وخشية عقابه.
5: محبة الله تعالى فإن المحب الصادق لا يعصي من أحب.
6: المحافظة على شرف النفس وزكائها وطهارتها لأن المعصية تدنسها.
7: قوة العلم بسوء عاقبة المعصية وقبح أثرها.
8: قصر الأمل واليقين بسرعة انقضاء الحياة.
9: مجانبة الفضول في الطعام والشراب والنوم والمخالطة وغيرها وترك ما لا يعني المرء.
10: قال : (هو الجامع لهذه الأسباب كلها ثبات شجرة الإيمان في القلب فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه فكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتم وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر فإن من باشر قلبه الإيمان بقيام الله عليه ورؤيته له وتحريمه لما حرم عليه وبغضه له ومقته لفاعله وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار امتنع من أن لا يعمل بموجب هذا العلم).
ومثال الصبر على المصائب المقدرة قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} .
وقد اجتمعت أنواع الصبر كلها في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} فحكم الله تعالى إما كوني وإما شرعي.
فالحكم الكوني هو القضاء والقدر، والصبر عليه يراد به الصبر على المصائب المقدرة.
والحكم الشرعي هو الأمر والنهي: فامتثال الأمر هو فعل الطاعات، واجتناب النهي هو ترك المعاصي.
والصبر عن المعاصي أفضل من الصبر على المصائب، لأن المعاصي تكون باختيار العبد، والمصائب لا اختيار له فيها.

حكم الصبر:
ومعرفة أنواع الصبر تفيد في بيان حكمه ، فإن معرفة حكم الصبر ، وما يلحق العبد من الإثم بتركه وما لا يأثم فيه مبني على معرفة أنواع الصبر.
1: فالصبر على الطاعات الواجبة واجب، كالصبر على أداء الصلاة المفروضة {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، وأما الصبر على الطاعات المستحبة فهو مستحب، يثاب عليه فاعله، ولا يأثم تاركه.
2: والصبر عن فعل المعاصي واجب ، ويتأكد وجوبه في الصبر عن إتيان الكبائر، وأما الصبر عن المكروهات فهو مستحب، يثاب عليه فاعله، ولا يأثم تاركه.
3: وأما الصبر على المصائب المقدرة فهو واجب بحيث لا يجزع ولا يتسخط على الله، وأما الرضا بالمصيبة فهو مستحب على الصحيح، ولا يناله إلا أصحاب البصائر وأولوا الألباب لأنهم يدركون أن ما يقضيه الله تعالى للمؤمن خير له وأحسن عاقبة إذا اتقى الله واتبع رضوانه.
وحزن القلب ودمع العين والتأذي الطبيعي من المصيبة ليس من الجزع إذا كان القلب مؤمناً بقضاء الله مسلماً لأمره.
والقدر الواجب الذي ذكرته لكم من هذه الأمور متفق عليه بين أهل العلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا كان الصبر واجبا باتفاق المسلمين على أداء الواجبات وترك المحظورات ويدخل في ذلك الصبر على المصائب عن أن يجزع فيها، والصبر عن اتباع أهواء النفس فيما نهى الله عنه).
وقال ابن القيم رحمه الله: (الصبر الواجب ثلاثة أنواع:
- أحدها: الصبر عن المحرمات.
- والثاني: الصبر على أداء الواجبات.
- والثالث: الصبر على المصائب التى لا صنع للعبد فيها كالأمراض والفقر وغيرها.
وأما الصبر المندوب فهو الصبر عن المكروهات والصبر على المستحبات والصبر على مقابلة الجانى بمثل فعله).
هذا تلخيص هذه المسألة ، ولها تفاصيل تدرسونها في مراحل لاحقة إن شاء الله تعالى.

حاجة الداعية إلى الصبر:
- ومن سنن الله تعالى أنه يجعل للدعاة إليه أعداءً من المجرمين يبتلي بهم صدق أولياءه ويقينهم قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}.
فتكفل الله لهم بالهداية والنصر، وهذا يفيدك ببيان ما يحتاجه من يبتلى بعداوة المجرمين فهو يحتاج إلى الهداية التي يرشد بها ويوفق بها لسلوك سبيل النجاة ، ويحتاج إلى من ينصره على من ناصبه العداء واجتهد في الإضرار به، فتكفل الله له بهذين الأمرين العظيمين، ولم يوكل ذلك إلى أحد من خلقه بل تولاه بنفسه جل وعلا فقال: {وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} فإذا أيقن الداعي إلى الله بهذه الحقيقة الإيمانية لم يخش إلا الله، وكان وثوقه بهداية الله ونصره وتصديقه بوعده سبباً في طمأنينة قلبه ورباطة جأشه وثباته على الحق والهدى.
وتأمل تقديم الله تعالى للهداية على النصر فهو ترتيب أولوية فإن من عميت عليه سبيل الهداية كان احتياجه إلى الهداية أولى من احتياجه للنصرة المترتبة عليها.
فيجب على الداعية أن يصبر على ما يدعو إليه من الحق وأن يصبر على ما يصيبه منه المشقة والأذى، وقد وعد الله عباده المؤمنين بالنصر، ووعده حق لا يتخلف قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} وقال: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وقال الله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}.