الجمعة، 24 يناير 2014

هل يجوز فك السحر بالسحر عند الضروره

س: هل يجوز فك السحر بالسحر عند الضروره؟
 مع العلم أن حالة الشخص بسبب السحر سيئة، وهو من سنين يعاني من هذا السحر، وكاد أن يتحول إلى ديانه أخرى أكثر من مرة، بسبب هذا السحر والأذى، لولا أن ثبته الله، وحاول فكه بجميع الطرق ولم يستطع وهو في بلاء عظيم. فماحكم الساحر في هذه الحاله وطالب السحر؟ وما الحكم إذا تحول المسحور إلى ديانة أخرى بسبب السحر والضغط مع إكراهه؟ جزاكم الله خيرا. 

ج: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، أما بعد:
فحلُّ السحر هو النُّشرة، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن النُّشرة، فقال: (هي من عمل الشيطان)، وقد حمل العلماء ذلك على حل السحر بالسحر، ومعنى ذلك أن حل السحر لا يكون إلا من ساحر، فيلزم من ذلك الاستعانة بالساحر لحل السحر، والرضا منه بذلك، قال ابن القيم رحمه الله: "النُّشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان؛ فإن السحر من عمله، فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب فيُبطل عمله عن المسحور. والنوع الثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة فهذا جائز، بل مستحب، وعلى النوع المذموم بحمل قول الحسن: لا يحل السحر إلا ساحر"أهـ. وهذا النوع حرام، بل هو من أعظم المحرمات، لما يتضمنه من سؤال الساحر، فيكون من جنس سؤال الكاهن، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، بل يتضمن الرضا به وطلب حل السحر، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز حل السحر بالسحر للضرورة، كالأكل من الميتة، وذهب آخرون إلى أن حل السحر بالسحر ليس مما تبيحه الضرورة؛ لأن السحر كفر ولا ينفك عن الشرك. والشرك والكفر لا يستباح بالضرورة،  وليس المسحور في لجوئه إلى الساحر كالمكره، بل كالمريض الذي يستعين بالطبيب، ومعلوم أنه لا يباح التداوي بما حرم الله من مطعوم أو مشروب، والمسحور كالمريض، فكيف يلجأ إلى من يعالجه بعمل السحر، الذي هو كفر وشرك؟!  فقد يكون من عمل الساحر: السجودُ للجن أو الذبح لهم، وقد يأمر الساحر المسحور بشيء من ذلك، وقد لا يأمره؛ لأنه يفتضح بذلك، ولهذا قال ابن القيم: "فيتقرب إليه [أي إلى الشيطان] الناشر والمنتشر بما يحب فيُبطل عمله عن المسحور" والناشر: الساحر، والمنتشر: المسحور، وما المرض بالسحر إلا كالمرض بالأدواء المعضلة، كالسرطان، وقد يكون بعض هذه الأمراض بتأثير شيطاني، كما قال الله في أيوب عليه السلام: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)، وقد جاء أن مرضه كان بتقرح جسده.
 ومع ذلك فلا يجوز علاج هذه الأمراض بما يرشد إليه من يستعينون بالجن، كالسحرة والكهان، وأثر السحر على المسحور أنواع؛ فمنها ما يكون على البدن مرضا مستديما، ومنها ما يكون على العقل، ومنها ما يكون بحبس قوة من قوى الإنسان، كالذي يحبس عن امرأته. ومنها ما يكون بالتحبيب المفرط المخرج عن سمت العقل وحكم العادة لزوج أو زوجة أو أجنبي، والسحر الذي يصنع لذلك يسمى التِّوَلة، ومنها ما يكون بالتنفير والبغض المفرط كذلك، فيفرقون به بين الزوج وزوجته، والوالد وولده، والأخ وأخيه، وما يصنع لذلك يسمى الصَّرْف، وهو المذكور في قوله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ).
 وكثير من ذلك يكون بواسطة الجن ممن يستعين بهم الساحر، وقد يكون بتسليط جني على المسحور يصرعه، أو يخالط عقله فيفسد تصرفه، حتى يصير أسوأ حالا من الصبي أو البهيمة، فيفسد عليه أمر دينه ودنياه، ولهذا يعمِد بعض الظلمة من الرجال أو النساء إلى بعض السحرة فيستعينون به لكيد من يبغضونه أو يحسدونه من أجنبي أو قريب، ولا ريب أن فعل مثل ذلك بإنسان معصوم أعظم ظلما من قتله، فإن مات المسحور بذلك السحر وجب القصاص على الساحر، وتعزير من استعان به، فإن تعذر القصاص من الساحر وجب القصاص على المتسبب، وإن لم يمت المسحور لكن بقي فاسد العقل فاقدا لقوى بدنه أو بعضها وجب قتل الساحر لسحره، ولو أظهر التوبة، ووجب تعزير المتسبب المستعين بالساحر، ووجب عليه ديات بعدد ما عطَّل من قوى المسحور، كعقله وسمعه وبصره، وكلُّ هذا يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم لإثباته والحكم بما يقتضيه الواقع والبينات، وبهذا النوع من الظلم فسدت حياة أسر وأفراد. فإن أخذ الحق للمسحور وكل من تضرر بسحره من أهله، وإلا فعقاب الله للساحر والمستعين به مدخر لهما في الآخرة، فلا يغترَّنَّ ظالم بالإمهال.
 فلعنة الله على السحرة وعلى من يستعين بهم في ظلم الناس، وحسبنا الله ونعم الوكيل. (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
 ولما تقدم فالذي يترجح عندي: أنه لا يجوز حل السحر بالسحر في حال من الأحوال، أما حلُّه بالتعويذات والأدعية المباحة فمعلوم أنه جائز بل مستحب، كما قال ابن القيم رحمه الله. فمن ابتلي بشيء من هذا البلاء في نفسه أو في قريب له، فليس أمامه إلا اللجأ إلى الله الذي يكشف الضر والغم، وهو أرحم الراحمين، وهو على كل شيء قدير.
 وما ذكر في السؤال من تحول المسحور إلى دين آخر كالنصرانية، فليس ذلك من فعل المسحور واختياره، بل من ضغط الشيطان المتلبس به، أو يكون الناطق بالكفر هو الجني، وعلى ذلك فلا يحكم عليه بحكم الردة بما يبدر منه من أقوال كفرية، نسأل الله العفو والعافية والسلامة، وأن يرفع البلاء عن كل مبتلى. والله أعلم

قال ذلك:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 22ربيع الأول1435ه