الاثنين، 14 أكتوبر 2013

نقل الأضحية خارج بلد المضحي


صورة المسألة: حكم نقل المضحي أضحيته لتذبح في بلد غير بلده، سواء أ كان داخل دولته، أم في دولة أخرى؛ نظراً لوجود مسلمين في تلك البلدان أشد حاجة إلى لحوم الأضاحي من المسلمين في بلده .
 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
اعلم أيها السائل الكريم أن من المصالح الكبرى التي عنيت بها الشريعة الإسلامية، وكانت أحد مقاصدها العظمى، تقديم المصالح، والعناية بذوي الحاجات والفقراء من المسلمين، وإن من المصالح المحققة في هذا الباب جواز نقل الأضحية من بلد المضحي إلى بلد آخر، لاسيما وليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ما يمنع ذلك ويدفعه، والأصل في ذلك الجواز، فإذا كانت الزكاة وهي واجبة بالإجماع يجوز نقلها من بلد إلى بلد للمصلحة والحاجة، فكيف بالأضحية المستحبة؟!

وقد منع بعض أهل العلم من ذلك؛ مستدلاً بفوات إظهار الشعيرة، وقد قال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْر، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ، فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ، كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون) (سورة الحج آية-36).
وفي الاستدلال بهذه الآية نظر من وجهين:
الوجه الأول:
أن الناس لا يتفقون كلهم على ذبح ضحاياهم خارج بلادهم، بل يبقى منهم من يضحي في بلده، فيبقى إظهار الشعيرة من هذا الوجه موجوداً.
الوجه الثاني:
على فرض أن الناس جميعاً يذبحون ضحاياهم خارج البلد، فإن أصل إظهار الشعيرة باق غير منتف، فهو يظهر ويقوى ظهوره في بلد آخر، وإن ضعف ظهوره في بلد المضحي؛ وذلك للحاجة والمصلحة.
كما أن القصد من الأضاحي إظهار الشعيرة في كل بلد، ونفع الفقراء من المسلمين؛ يقول الله – عز وجل -: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) (سورة الحج آية -37) وقد جاء في الصحيحين من طريق أبي عاصم، عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته شيء)) فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: ((كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها)).
فالشارع لما نظر إلى فاقة الناس حرَّم عليهم الادخار فوق ثلاثة أيام، فلما زالت تلك العلة زال النهي.
وحينئذٍ لا نجد حرجاً من الفتوى بجواز نقل الأضحية من بلد إلى آخر، إذا دعت حاجة المسلمين لذلك، فإن أعداداً كبيرة من المسلمين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ويعانون مسغبة، وقد يموتون جوعاً، والحاجة داعية إلى الوقوف معهم، وإغاثتهم بالزكوات والصدقات، ونقل الأضاحي إلى بلادهم، فإنه لا يتعين في الأضحية مكان بلد المضحي، وحين تفوت سنية الأكل من الأضحية فلا تفوت مصلحة إغاثة الفقراء والمساكين من المسلمين وسد حاجتهم، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الشيخ سليمان بن ناصر العلوان