الأحد، 6 أكتوبر 2013

السر في بقاء علم العالم على ممر العصور مع وجود علماء آخرين في عصره لم يبق لهم أثر

سئل الشيخ سليمان بن ناصر العلوان عن السر في بقاء علم العالم على ممر العصور مع وجود علماء آخرين في عصره لم يبق لهم أثر؟
فأجاب الشيخ بإجابة مفصَّلة موضحا أهمية السؤال، وقال تجد في العصر الواحد مائة عالم ولم يبق أثر إلا اثنين أو ثلاثة، ولهذا عدة أسباب:
أولا: وهو الأساس الإخلاص لله تعالى فمن أراد بعلمه وجه الله بورك فيه، ومن شواهد ذلك قول عمر بن عبدالعزيز(وددت أن جسمي قرض بالمقاريض وأن الخلق أطاعوا الله تعالى) وقال أيضا(وددت أن الناس أخذوا عني العلم ولم يُنسب لي منه شيء) وهذه أيضا مقولة مشهورة عن الشافعي، وهذا أحمد بن حنبل كان ينهى عن تدوين فقهه، ومع ذلك اشتهر عنه الكثير، ونقل عنه الخلال نحوا من 50 مجلدا، ونقل أبناؤه فقهه.

ثانيا: الخبيئة في العمل، أن يكون للعبد سريرة، ولما سئل الإمام أحمد عن الليث بن سعد وأنه أعلم من الإمام مالك ولم يشتهر كشهرته فقال(لعل له سريرة)، العلم لا يرجع إلى كثرة المحفوظات، ولا التصنيف، ولا القراءة، وإنما مرجعه الصدق والإخلاص، انظر إلى تصانيف محمد بن عبدالوهاب، أوراق معدودة بالأصابع، ولكن العلم بعلمه وثمرته لا بحجمه، فأوراقه هذه تُدرس في معظم ديار العالم وعلمه يُنقل ويشتهر، ومعوِّل أبناء المسلمين على تصانيفه المختصرة؛ لأنه اهتم بمشاكل عصره، وكان همه نفع عصره مع ما كان عليه من دعاء بالقبول، قيلمكث يدعو عند الملتزم أن يوفقه الله، ففرق بين هذا وبين مَن أهم شيء عنده أن يؤلف ثم يدفعه لعالم يقرظه يظن أن شهرة كتابه تكون بالتقريظ من عالم معتبر في عصره، هذا وإن اشتهر في عصره لهذا السبب فقد يشتهر قليلا ثم يخبو، الكتاب بثمرته لا بحجمه.
 
ثالثا: الطلبة، فبعض العلماء له طلبة ينقلون علمه وآثاره والآخر ليس له، ومن نماذج ذلك ابن عمرو وأبو هريرة رضي الله عنهم، ابن عمرو أكثر رواية من أبي هريرة رضي الله عنهما ومع ذلك المحفوظ عن أبي هريرة رضي الله عنه أكثر، ولهذا أسباب كثيرة، من أهمهاابن عمرو رضي الله عنه استوطن مصر، ولم يكن هناك من ينقل علمه، بخلاف أبي هريرة رضي الله عنه فقط كان في المدينة وعنده طلبة ينقلون عنه، ومن أمثلة ذلك الليث بن سعد في مصر وهو من الأئمة الكبار إن لم يكن أعلم من مالك فليس بأقل منه، ولهذا أسباب أهمها لم يكن لليث أصحاب يقومون بعلمه.
 
رابعا: التصنيف، طائفة من العلماء يصنفون ويعالجون مشاكل عصرهم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كالإمام محمد بن عبدالوهاب، وطائفة من العلماء لا يكتبون شيئا فلا تنقل علومهم ولا يكاد يُذكرون إلا في التواريخ.
 
خامسا: حسن التصنيف، ولهذا له دور وذلك من خلال تقسيمات الكتاب وتفريعاته.
 
سادسا: الجلوس للتعليم، وللعالم بهذا أثر فيبقى علمه أكثر ممن كان في بيته.
 
سابعا: العمل بالعلم، فالذي يعمل يُكتب له القبول فينتشر علمه.
 
ثامنا: الصدع بالحق، فالذين يصدعون بالحق تبقى علومهم وآثارهم ما لا تبقى علوم الصامتين.
 
تاسعا: التركيز، فبعضهم يركِّز على جانب وعنده حسن اختيار، وبعضهم يركز على طلابه ويهتم بهم، بخلاف من لا يهتم بطلابه، قد يمرض الطالب وينقطع ثم يبرأ ويعود والشيخ لايدري ولا يتفقد طالبه، وهذا خلاف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يتفقد أصحابه.
 
عاشرا: تحرير العلم وتوضيحه، أكثر الناس اليوم لا يتعصبون للمذاهب كالسابق، وإن كان يوجد تعصب للمشايخ والمقصود تحرير العلم، فلو تأملت مثلا نيل الأوطار للشوكاني من أوله إلى آخره مأخوذ في فقهه من فتح الباري لابن حجر، وفي الحكم على الأحاديث من تلخيص الحبير لابن حجر، وليس للشوكاني شرح فيه، ولكن لأنه يذكر رأيه وترجيحاته صار له حظوة؛ لأنه يجتهد وينصر ما يعتقد أنه الحق ولا يقلِّد، ولذا صار لمؤلفاته حظوة مثل النيل والسيل الجرار ونحوهما، فالذي يحرر المسائل يتناقل الناس علمه.


المصدر : إمتاع الخلان بفوائد مجالس العلوان (1)  للشيخ عبد الله الفريح