الخميس، 24 أكتوبر 2013

التوكل


 قال الشيخ سليمان بن ناصر العلوان في كتابه القول الرشيد في حقيقة التوحيد

وأعلى الناس مقاما في التوحيد أكملهم توكلا على الله . والتوكل من الأعمال القلبية كما قاله الإمام أحمد – رحمه الله - .
وقد أمر الله به في كتابه في مواضع كثيرة وأخبر أنه يحب المتوكلين .
قال تعالى : } فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ { [هود: 123].
وقال تعالى : }وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ { [الفرقان : 58].
وقال تعالى : }وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ { [المائدة : 23].
وقال تعالى  }فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ { [آل عمران : 159].وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس في صفة السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب : ( هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) .

وفي جامع الترمذي وغيره بسند صحيح عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ) .
وقد عم الجهل في هذا الزمان بحقيقة التوكل على الله ، ولم يعرف منه الكثير إلا الاسم ، وتوكلوا على غير الله إما على الأموات والطواغيت كمن يتوكل عليهم في الحفظ والكلاءة والنصر والتأييد وكشف البأس وجلب النفع ، وإما على السلاطين وأصحاب المناصب والوظائف في طلب الرزق . ويدخل في ذلك من يتوكل على الشهادة الدراسية في طلب الرزق .
والله جل وعلا لم يرسل رسله ، ولم ينزل كتبه ، إلا ليكون الدين كله لله ، فلا يعبد إلا الله ، ولا يدعى إلا الله ، ولا يتوكل إلا على الله .
وعلى حسب نقص توكل العبد على ربه ؛ ينقص توحيده ، وعلائق الشرك لا تنفك عن القلب الذي لم يخلص توكله لربه .
وما يحصل من الضيق في الصدر والحرج كله بسبب نقص وضعف التوكل على الله ، قال العلامة ابن القيم - رحمه الله - :
( لا يستقيم توكل العبد حتى يصح له توحيده . بل حقيقة التوكل توحيد القلب . فما دامت فيه علائق الشرك ، فتوكله معلول مدخول . وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحة التوكل فإن العبد متى التفت إلى غير الله أخذ ذلك الالتفات شعبة من شعب قلبه . فنقص من توكله على الله بقدر ذهاب تلك الشعبة .
ومن ههنا ظن من ظن أن التوكل لا يصح إلا برفض الأسباب . وهذا حق ولكن رفضها عن القلب لا عن الجوارح . فالتوكل لا يتم إلا برفض الأسباب عن القلب وتعلق الجوارح بها فيكون منقطعا منها متصلا بها ) مدارج السالكين (2/125) .
وبالجملة فالقلب يجب عليه أن لا يتوكل إلا على الله فهو مرجوه وعياذه وملاذه ، ولا يتوكل أحد على مخلوق إلا لرجائه له .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : ( وما رجا أحد مخلوقا أو توكل عليه إلا خاب ظنه فيه فإنه مشرك ) . الفتاوى (10/257) .
} وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ{ [الحج : 31].
وبالاعتبار يلاحظ أن كثيرا من الأفراد والجماعات يحصل لهم الخذلان العاجل أمام عدوهم وذلك بسبب عدم توكلهم على ربهم بل يتوكلون إما على شخص معظم وإما على دولة وإما على السبب أو غير ذلك فيتخلف النصر ، وذلك أن الله تعالى أمر عباده بالتوكل عليه فإن قاموا به مع سائر الواجبات ضمن الله لهم النصر والتأييد والفوز والظفر والتمكين في الأرض وإن لم يقوموا به فالخذلان حاصل لهم وهذه سنة الله في عباده فإن الله ينصر من عبده وتوكل عليه وأخلص أعماله له . ويخذل من أشرك به وجعل له شريكا ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا .