الأحد، 13 أكتوبر 2013

رثاء عائشة التيمورية لابنتها العروس

إن سالَ من غرب العيون بحورُ *** فالدهر باغٍ والزمانُ غدورُ
فلكلِّ عيـن حقُّ مدرار الدما *** ولكلِّ قلب لوعة وثبــورُ

ستر السنا وتحجّبتْ شمس الضحى *** وتغيّبت بعد الشروق بدورُ

ومضى الذي أهوى وجرّعني الأسى *** وغدتْ بقلبي جذوةٌ وسعيرُ

يا ليته لما نوى عهدَ النـوى *** وافى العيونَ من الظلام نذيرُ

ناهيك ما فعلتْ بماء حشاشتي *** نارٌ لها بين الضلوع زفيرُ

لو بـُثَّ حزني في الورى لم يلتفتْ *** لمصاب قيسٍ والمصابُ كثيرُ

طافت بشهر الصوم كاساتُ الردى *** سَحرا وأكواب الدموع تدورُ

فتناولت منهــا ابنتـي فتغيرّت *** وجَناتُ خدٍّ شانَها التغييرُ

فذوَتْ أزاهيرُ الحياة بروضهـا *** وانقدَّ منها مائسٌ ونضيــرُ

لبستْ ثياب السقم في صغرٍ وقد *** ذاقت شرابَ الموت وهو مريرُ

جاء الطبيبُ ضُحًى وبشَّر بالشفا *** إن الطبيب بـِطبّه مغـــرورُ

وصفَ التجرُّعُ وهو يزعم أنـه *** بالبُرء من كل السقام بَشيرُ

فتنفَّستْ للحزنِ قائلةً لــــه :*** عَجِّلْ ببرُئي حيث أنت خبيـرُ

وارحمْ شبابي؛إنّ والدتي غـدتْ *** ثكلى يثير لها الجوى وتُشيرُ

وارأفْ بعينٍ حُرمتْ طيبَ الكرى *** تشكو السهاد وفي الجفون فتورُ

لما رأت يأس الطبيب وعجزَه *** قالت ودمع المقلتين غزيرُ:

"أُمـّـاه،قد كَلَّ الطبيبُ وفاتني *** ممّا أؤمّل في الحياة نصيرُ

لو جاء عرّاف اليمامة يبتغي *** بُرئي لردَّ الطرفَ وهو حسيرُ

يا روع روحي حلَّها نزع الضنى *** عمّـا قليلٍ ورقُها ستطيــرُ

أُمّاه،قد عزَّ اللقاءُ وفي غدٍ *** سترين نعشي كالعروس يسيرُ

وسينتهي المسعى إلى اللحد الذي *** هو منزلي وله الجموع تصيرُ

قولي لربّ اللحد:رِفقـًا بابنتي *** جاءت عروسًا ساقَها التقديرُ

وتَجلّدي بإزاء لحدي بُرهةً *** فتَراكِ روحٌ راعَها المقدورُ

أمُّاه قد سلفتْ لنا أمنيةٌ *** يا حُسنها لو ساقها التيسيرُ

كانت كأحلام مضتْ وتخلّفتْ *** مذ بانَ يومُ البين وهو عسيرُ

عودي إلى رَبعٍ خلا ومآثرٍ *** قد خلّفت عني لها تأثيرُ

صوني جهاز العُرس تذكارًا؛فلي *** قد كان منه إلى الزفاف سرورُ

جرّتْ مصائبُ فرقتي لك بعد ذا *** لبسَ السواد ونـُفِّذ المسطورُ

والقبر صار لغصنِ قدّي روضةً *** ريحانُها عند المزار زهورُ

أُمّاه،لا تنسي بحق بُنوَّتي *** قبري لئلا يحزن المقبورُ

ورجاءَ عفو أو تلاوةَ منزل *** فسواك من لي بالحنين يزورُ؟!!

فلعلما أحظى برحمة خالقٍ *** هو راحمٌ بَرٌّ بنا وغفورُ"

فأجبتها والدمع يحبس منطقي *** والدهر من بعد الجوار يجور:

"بنتاه..يا كبدي ولوعةَ مهجتي ***،قد زال صفوٌ شأنُه التكديرُ

لا توصي ثكلى قد أذابَ فؤادَها *** حزنٌ عليك وحسرة وزفيرُ

قسمًا بِغضّ نواظري وتلهُفي *** مذ غاب إنسانٌ وفارقَ نورُ

وبقُبلتي ثغرًا تَقضّى نحبه *** فحُرمتُ طيب شذاه وهو عطيرُ

والله لا أسلو التلاوةَ والدُّعا *** ما غرّدت فوقَ الغصون طيورُ

كلا ولا أنسى زفيرَ توجُّعي *** والقدّ منك لدى الثرى مدثورُ

إني ألِفْتُ الحزنَ حتى إنني *** لو غابَ عني ساءني التأخيرُ

قد كنتُ لا أرضى التباعدَ برهةً *** كيف التصبرّ والبعاد دهورُ؟!!

أبكيك حتى نلتقي في جنة ***برياض خُلدٍ زيَّنتْها الحورُ

إن قيل ساجدةٌ أقول لقد فنى *** عيشي وصبري والإلهُ خبيرُ

ولهي على سما الحسن التي *** قد غابَ بدرُ جمالِها المستورُ

قلبي وجفني واللسانُ وخالقي *** راضٍ وباكٍ شاكرٌ وغفورُ

مُتعتِ بالرضوان في خلد الرضا *** ما ازّينت لك غرفةٌ وقصورُ

وسمعت قول الحق للقوم:ادخلوا *** دارَ السلام فسعيُكم مشكورُ"

هذا النعيم به الأحبة تلتقي *** لا عيشَ إلا عيشه مبرورُ