الثلاثاء، 25 فبراير 2014

هل للسحر حقيقة


قد دل قوله -جل وعلا-: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ(4))([1]) على أن للسحر حقيقة، وإلا، لم يأمر الله بالاستعاذة منه.

وكذلك قوله -تعالى-: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)([2])، فهذه الآية تدل عل أن للسحر حقيقة تكون سبباً للتفريق بين المرء وزوجه.

ومما يدل أيضاً على أن له حقيقة: حديث عائشة -رضي الله عنها-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحرَ، حتى إنه ليُخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يوم: أتاني ملكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: من طبَّه؟ قال: لبيد ابن الأعصم في مشط ومشاطة، وفي جف طلعة في بئر ذروان".

رواه: الإمام أحمد والبخاري، ومسلم، وغيرهم.

وهذا القول هو قول أهل السنة، وعليه جمهور علماء المسلمين.
وذهب بعضهم إلى أنه لا حقيقة له، وهو مذهب المعتزلة المنعزلة عن الكتاب والسنة، واستدلوا بقوله -تعالى-: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى(66))([3])، ولم يقل: تسعى على الحقيقة, وقالوا: إن السحر إنما هو تمويه وتخيل وإيهام لكون الشيء لا حقيقة له، وأنه ضربٌ من الشعوذة!
قال العلامة ابن القيم رحمه الله([4]): "وهذا خلاف ما تواترت به الآثار عن الصحابة والسلف، واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وأرباب القلوب من أهل التصوف، وما يعرفه عامة العقلاء، والسحر الذي يؤثر مرضاً وثقلاً وحلاًّ وعقداً وحبًّا وبغضاً وتزييفاً وغير ذلك من الآثار موجود تعرفه عامة الناس.." إلخ كلامه.
وقال القرطبي بعدما ذكر قول المعتزلة واستدلالهم: "وهذا لا حجة فيه؛ لأنا لا ننكر أن يكون التخيل وغيره من جملة السحر، ولكن ثبت وراء ذلك أمور جوَّزها العقل، وورد بها السمع:

فمن ذلك ما جاء في هذه الآية من ذكر السحر وتعليمه (يعني: قوله -تعالى-: (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) الآية([5]))، ولو لم يكن له حقيقة؛ لم يمكن تعليمه، ولا أخبر أنهم يعلمونه الناس، فدل على أن له حقيقة.

وقوله -تعالى- في قصة فرعون: (وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116))([6]).

وسورة الفلق، مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن الأعصم".

ثم ساق الحديث -وقدمناه- ثم قال: "وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حل السحر: "إن الله شفاني" والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقًّا وحقيقة، فهو مقطوع به، بإخبار الله تعالى ورسوله عن وجوده ووقوعه، وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإجماع، ولا عبرة مع اتفاقهم بحثالة المعتزلة ومخالفتهم أهل الحق.." إلخ.




([1]) الفلق: 4.

([2]) البقرة: 102.

([3]) طه: 66.

([4]) "بدائع الفوائد" (2 / 227).

([5]) البقرة: 102.

([6]) الأعراف: 116.







كتاب التبيان شرح نواقض الاسلام للشيخ سليمان بن ناصر العلوان