الثلاثاء، 25 مارس 2014

حكم قول (سلام) عند التحية

س: درج بعضهم على قول (سلام) اختصارا فهل يجزئ ذلك عن صيغة السلام المشروع وهل يجب الرد على المسلم بهذه الصيغة؟ جزيتم خيرا.

ج: الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد دلت الآيات والأحاديث أن للسلام ـ التحية ـ ابتداء وردًّا، صيَغا، وأن الرد يكون برد التحية بمثلها أو بأحسن منها، كما قال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)، والصيغ الواردة: السلام عليكم، أو سلامٌ عليكم، أو سلامٌ عليكم ورحمة الله، أو سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا في الابتداء، والرد يكون بالمثل، أو بما هو أفضل: عليكم السلام، أو وعليكم السلام، وإذا قيل في الابتداء أو الرد: سلامٌ، فهو على تقدير: عليكم، أو: وعليكم، وهذه بعض الآيات والأحاديث المتضمنة للسلام والتسليم: قال تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ)، وقال تعالى: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ)، وقال سبحانه: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ)،
وقال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ)، وقال: (وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ)، وقال سبحانه: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ)، وقال سبحانه: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)، وقال عز وجل: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ).
ومن السنة ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم   قال: ( لما خلق الله آدم صلى الله عليه وسلم قال : اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله) متفق عليه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا جبريل يقرأ عليك السلام)، قالت: قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. متفق عليه. وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عشر)، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه فجلس، فقال: (عشرون)، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال: (ثلاثون). رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن، وروى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا مَرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فقال: سلامٌ عليكم. فقال: (عشر حسنات) ثم مَرَّ آخر فقال: سلامٌ عليكم ورحمة الله . فقال: (عشرون حسنة) ثم مَرَّ آخر فقال: سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال: ( ثلاثون حسنة)، فقام رجل من المجلس ولم يسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أوشك ما نسي صاحبكم، إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإن قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة) صححه الألباني في صحيح الترغيب والرهيب.
 وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: (السلام عليكم) الحديث. رواه مسلم. وعن بريدة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: (السلام عليكم...) رواه مسلم. وجاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل: (السلام على من اتبع الهدى).
    ويلاحظ أن تنكير السلام في ابتداء التحية لم يأت في القرآن إلا في سلام الملائكة على أهل الجنة، وفي ردِّ إبراهيم على ضيفه، وأما ما في سورة الأنعام والقصص: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين في الأنعام، وفي خطاب المؤمنين للجاهلين في القصص، فالظاهر ـ والله أعلم ـ أن سياقهما لا يدل على ابتداء التحية ولا ردها في الأنعام، بل المراد البشارة، وفي القصص المراد المسالمة مع الإعراض، وأما السنة فلم يرد فيها ـ فيما أعلم ـ تنكير السلام في الابتداء إلا في حديث أبي هريرة المتقدم عند ابن حبان، وسائر الأحاديث كلها بتعريف السلام ابتداء وردا.
  وبعد؛ فقد قال العلماء: إن المسلِّم على الحيِّ مخيَّرٌ بين التعريف والتنكير، والتعريف أولى، واختاره الإمام أحمد والنووي رحمهما الله، ومفهوم هذا أن السلام على الأموات يكون بالتعريف فقط، كما في حديث عائشة وبريدة رضي الله عنهما، والله أعلم.

قال ذلك:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 23جمادى الأولى1435ه