الثلاثاء، 25 مارس 2014

سؤال عن قبول كلام العالم الثقة في الحديث

س: في علوم الحديث أشكل عليَّ أننا نقبل كلام العالم الثقة ونصدقه إذا ذكر حديثا يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا نشك في ذلك، ولو كان معاصرا، ولا يقبل حديث إمام من أئمة العلم كمالك رحمه الله إذا أرسل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكره بلاغا، ويعد الحديث منقطعا، وبالتالي يرد، ونحن نعلم حرص هؤلاء الأئمة ألا ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، فما تقولون في ذلك؟ حفظكم الله.
ج: الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن المتدبر لرواية أهل العلم للحديث يجد أنها تأتي على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: مَن يذكر الحديث بسنده، ثم يختلف هؤلاء، فمنهم من لا يذكر إلا ما صح عنده، وهم المصنفون في الصحيح على اختلاف مراتبهم، ومنهم من يروي الحديث بسنده، ثم يحكم عليه بالصحة أو الضعف، ومنهم من لا يقصد إلى شيء من ذلك، وإنما يقصد ذكر المرويِّ، ويجعل عهدته على ناقله، فيبرأ من عهدته بذكر سنده، ثم يأتي الباحث عن حكم هذا الخبر، فيجري فيه قواعد المحدثين في التصحيح والتضعيف والجرح والتعديل.


الوجه الثاني: مَن يذكر الحديث بلا إسناد، أي يحذف إسناده، ويضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فإن كان من المصنِّفين في الحديث، فذكره للحديث بلا سند أو مع حذف سنده هو التعليق، كما يصنع البخاري كثيرا. ويفرَّق في هذه الحال بين ما يَجزم به وما لا يَجزم به، فما يَجزم به هو صحيح عنده، وما لا يَجزم به فقد يكون ضعيفا، وقد يكون محتملا للصحة، والجزمُ مثل أن يقول: قال رسول الله، وفي غير الجزم يقول: يُذكر ويُروى، والمعلَّق هو من نوع المنقطع، فالأصل أنه من المردود، لكن يتبين حكمه بعد البحث عن إسناده ومعرفة رواته، والذي يظهر لي أن بلاغات الإمام مالك من هذا القبيل.

الوجه الثالث: مَن يذكر الحديث بلا إسناد، وليس هو من المصنِّفين، فهذا عليه أن يعزو الحديث إلى من خرَّجه من المصنِّفين، من أصحاب الصحيح أو السنن أو المسانيد، ثم إن كان من أهل الخبرة بهذا الشأن فإنه يبين حكم الحديث ودرجته بحسب ما وصل إليه، وما تقتضيه قواعد علم الحديث، أو ينقل ذلك عن أئمة الحديث، ثم يأتي مَن بعدهم ممن لا خبرة له بهذا الشأن، فيكون مقلدا لأهل العلم والخبرة بالصنعة الحديثية.

ومما تقدم يتضح الجواب عمَّا ذكر من الإشكال في السؤال، فبلاغات الإمام مالك وتعليقات البخاري هي من الضعيف عند أهل العلم إلا بعد البحث عن أسانيدها، وأما قبولنا لما يقوله الثقة من المعاصرين ـ مثلا ـ فمحض التقليد، ولهذا يحتاج طالب العلم من العالم أن يعزو الحديث إلى من خرَّجه، ويذكر حكم أئمة الحديث عليه، اللهم إلا أن يكون الحديث في الصحيحين، فيكتفى بالعزو إليهما أو إلى أحدهما، لأن الأمة تلقتهما بالقبول. والله أعلم.
قال ذلك:
عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 23جمادى الأولى1435ه