الخميس، 21 مارس 2013

منابع الشعر/عبد الرحمان العشماوي

منابعُ الشعر لم تبخلْ سواقيها فكيف يحبسها مَنْ كان يُجريها ؟
وكيف يسجنها في ليل وحشته مَنْ لا يرى الأُنسَ إلا في قوافيها؟!
منابعُ الشعر ما جفَّتْ ولا مُزجتْ بما يكدّٓرها من وَهْم راويــهـــــا
لكنَّها مُزجتْ بالحزن لوَّنها بلونه، فرأينا حُزْنَنا فـــيـــهـــا

يا لائمَ الشعر -صَمْتاً- رُبَّ قافلةٍ تأبى مسيراً على أصوات حاديها
صَمْتُ الحزينِ بكاءٌ لا تحسُّ به إلا القلوبُ التي جارتْ مآسيها
نبكي بلا أدمعٍ ، إنَّ الدموع إذا تمكَّنَ الحزن، جفَّتْ في مآقيها
ماكلُّ مَنْ ذرفَ الدمع الغزيرَ بكى قد يذرف المرءُ دَمْعَ العين تَمْويها
تُشوى قلوبٌ بنار الحزن وهي على نهر المحبة، تُستسقى عواديها
أكلَّما صَدَحتْ في القلب صادحةٌ من الرضى جدَّد الأحزانَ ناعيها؟!
وكلَّما ابتسمتْ أطيافُ فرحتنا مُدَّتْ إليها يَدُ الآلام تبكيها ؟!
يا من يعاتبني في حزن قافيتي أما رأيتَ سهام الحُزْن ترميها؟!
هل تطلبُ الشَّدْوَ منها وهي واجمةٌ ممّا ترى ، وستار الليل يُخفيها ؟
تشدو بلابلُنا لمَّا يضاحكها فجرٌ ، ويسكتُ في الظلماءِ شاديها
يا لائمَ الشعر هل أدركتَ ما طُوِيَتْ نفسي عليه ، وهل بانتْ مراميها ؟!
هل اطّلعتَ على آفاق لَوْعتها والشعر يُبعدها عني ويدنيها ؟
أما علمتَ بأنَّ الشعر أفئدةٌ نشدو بها وجراحاتٌ نغّنيها
مَنْ زيَّن النفس بالإيمان أَنْزلها مكانةً قلَّ فينا مَنْ يُساميها
نبكي بعينينِ من دمعٍ ومن لغةٍ شعريةٍ، لم تزل تسمو معانيها
نغدو ، نروح ، نرى ، نُصغي، نمدُّ يداً بلا ذراعٍ إلى الأغصانِ نجنيها
نسعى ، نحثُّ خُطانا، والسرابُ على طريق أحلامنا العَطْشَى يُلَهَّيها
ونستدرُّ من الدنيا سعادتَنا وليس في ضَرعها إلاَّ عَواديها
نبني، وتهدم ما نبني نهايتُنا كم تسخر الأرضُ من إِصرار بانيها
تهيَّأتْ هذه الدنيا لجائحةٍ لأنَّها رفعتْ من شأنِ عاصيها
وأغرقتْ في محيط الظلم مركبَها وصار إِعلامُها بوقاً لغاويها
ما بين حينٍ وحين ينتهي عَلَمٌ وتنطوي صفحاتٌ جلَّ طاويها
يا ربّٓ عونَك ما زلنا نرى ثُلَماً في أَمَّةٍ تشتكي جَدْباً مغانيها
رحيلُ أحبابنا نارٌ مؤجَّجة تُذيب أكبادنا وَجْداً وتُصليها
مضى عليٌّ، أديبُ الفقه ، شيَّعَه حبٌ عظيمٌ وآلامٌ نُداريها
وشيَّعتْه نفوسٌ طالما شربتْ من نَبْع حكمته ما كان يُرويها
وشيَّعته قلوبٌ نَبْضُها أملٌ في الله أن يسكن الجنَّاتِ باغيها
مضى الأديب العصاميُّ الذي احتفلتْ به البلاغةُ وازدانتْ روابيها
مضى، كأنْ لم يصافحْ كفَّه قَلَمٌ عَذْبٌ يذود عن الفصحى ويَحميها
يا مازجَ العلمِ بالآدابِ في زمنٍ آدابُه انسلختْ مما يزكّٓيها
عزَّتْ بك اللغة الفصحى وكنتَ بما أُتيتَ من فكرك الصافي تغذّٓيها
رفعتَ من قصص التاريخ ألويةً مازال يقصر عنها مَنْ يُباريها
وَشَّيتَها بجميل القول فابتهجتْ فيها المعاني بما صاغتْ مبانيها
في ذكرياتكَ كَنْزٌ قد بنيتَ به صروحَ وعيٍ، لسانُ الصدق يَرويها
بها فتحتَ لنا الأبوابَ مُشْرعةً إلى حقائقَ كاد الصمتُ يُفْنيها
أسْلَمْتَ للأدب الراقي صياغتَها حتى التقتْ بأَدانيها
ودَّعْتَنا في زمانٍ، ليلُ غربتهِ يكاد يَلْتهم الدنيا وما فيها
ما بين فكرٍ إباحيٍ وعَوْلَمةٍ في كفّٓ بائعها سُمٌّ لشاريها
وأمتي - يا أديبَ الفقه - في زمني تكاد تخرجُ من إِشراق ماضيها
لها يَدٌ غيرَ أنَّ الحزمَ يُنكرها فما ترى الحزمَ إلا في أَحاجيها
ما أقفرتْ أمتي ، لكنَّ غفلتَها ولهوَها أنزلتْها من معاليها
يا مازجَ العلمِ بالآدابِ، كم هُرِعَتْ إليك أحرفُنا الخضراءُ تؤويها
غادرتها وحرووف اللَّاهثين على دَرْب الحداثةِ آفاتٌ نلاقيها
صاولتَ أمثالها بالحقّٓ في زمنٍ مضى فحدَّثتِ الحَصْبَاءُ عن فِيْها
كذلك الهِمَمُ الكبرى إذا بُنيتْ على الوفاءِ، تهاوى مَنْ يعاديها
ها نحن نغرس أشجارَ الشموخ على شطآننا، وبماءِ الحبّٓ نسقيها
تمدُّ أغصانَها خضراءَ مثمرةً فما تُطيق لها الرَّمضاءُ تَشْويها
إنا لنحرس آثار الذين بنوا بالحزم والخُلُقِ الأسمى نقوّٓيها
إليكَ منا زهوراً من محبتنا و دعوةً في ظلام الليل نُزجيها
الشاعر عبدالرحمن العشماوي