السبت، 30 مارس 2013

قال أبو ذؤيب الهذلي بعد مهلك بنيه

أَمِـنَ المَنـونِ وَريبِهـا تَتَوَجَّـعُ=وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجـزَعُ
قالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِـكَ شاحِبـاً=مُنذُ اِبتَذَلتَ وَمِثـلُ مالِـكَ يَنفَـعُ
أَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِـمُ مَضجَعـاً=إِلّا أَقَضَّ عَلَيـكَ ذاكَ المَضجَـعُ
فَأَجَبتُهـا أَن مـا لِجِسمِـيَ أَنَّـهُ=أَودى بَنِيَّ مِـنَ البِـلادِ فَوَدَّعـوا
أَودى بَنِـيَّ وَأَعقَبونـي غُصَّـةً=بَعـدَ الرُقـادِ وَعَبـرَةً لا تُقلِـعُ
سَبَقوا هَـوَىَّ وَأَعنَقـوا لِهَواهُـمُ=فَتُخُرِّموا وَلِكُلِّ جَنـبٍ مَصـرَعُ
فَغَبَرتُ بَعدَهُـمُ بِعَيـشٍ ناصِـبٍ=وَإَخـالُ أَنّـي لاحِـقٌ مُستَتبَـعُ
وَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِـعَ عَنهُـمُ=فَـإِذا المَنِيِّـةُ أَقبَلَـت لا تُـدفَـعُ
وَإِذا المَنِيَّـةُ أَنشَبَـت أَظفارَهـا=أَلفَيـتَ كُـلَّ تَميمَـةٍ لا تَنـفَـعُ
فَالعَيـنُ بَعدَهُـمُ كَـأَنَّ حِداقَهـا=سُمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عـورٌ تَدمَـعُ
حَتّـى كَأَنّـي لِلحَـوادِثِ مَـروَةٌ=بِصَفا المُشَرَّقِ كُـلَّ يَـومٍ تُقـرَعُ
لا بُدَّ مِن تَلَـفٍ مُقيـمٍ فَاِنتَظِـر=أَبِأَرضِ قَومِكَ أَم بِأُخرى المَصرَعُ
وَلَقَـد أَرى أَنَّ البُكـاءَ سَفاهَـةٌ=وَلَسَوفَ يولَعُ بِالبُكا مِـن يَفجَـعُ
وَليَأتِيَـنَّ عَلَيـكَ يَـومٌ مَــرَّةً=يُبكـى عَلَيـكَ مُقَنَّعـاً لا تَسمَـعُ
وَتَجَلُّـدي لِلشامِتـيـنَ أُريـهِـمُ=أَنّي لَرَيبِ الدَهـرِ لا أَتَضَعضَـعُ
وَالنَفـسُ راغِبِـةٌ إِذا رَغَّبتَـهـا=فَـإِذا تُـرَدُّ إِلـى قَليـلٍ تَقـنَـعُ
كَم مِن جَميعِ الشَملِ مُلتَئِمُ الهَـوى=باتوا بِعَيـشٍ ناعِـمٍ فَتَصَدَّعـوا
فَلَئِن بِهِم فَجَـعَ الزَمـانُ وَرَيبُـهُ=إِنّـي بِأَهـلِ مَوَدَّتـي لَمُفَـجَّـعُ

 ثم بدأ يعزي نفسه بضرب الأمثال

وَالدَهرُ لا يَبقـى عَلـى حَدَثانِـهِ=في رَأسِ شاهِقَـةٍ أَعَـزُّ مُمَنَّـعُ
ويريد النسر فهم يرون أنه يعمر طويلا واكتفى بهذا البيت، ثم عاد بنفس العبارة في صدر البيت :
وَالدَهرُ لا يَبقـى عَلـى حَدَثانِـهِ=جَونُ السَراةِ لَـهُ جَدائِـدُ أَربَـعُ
واستمر في قصة الجون وهو حمار الوحش وكيف قتله قانصه وتفنن في قصته بأكثر من عشرين بيتا .
ثم عاد إلى عبارة التعزية " وَالدَهرُ لا يَبقـى عَلـى حَدَثانِـهِ " فقال :

وَالدَهرُ لا يَبقـى عَلـى حَدَثانِـهِ=شَبَـبٌ أَفَزَّتـهُ الكِـلابُ مُـرَوَّعُ


ثم أخذ في قصة الثور الشبب " أي المسن " مع الكلاب الضاريات في معركة غير متكافئة وغلبه عليهن وفجأة ظهر ربُّ الكلاب وقتله وذكر ذلك في أربعة عشر بيتا.

ثم عاد إلى عبارة التعزية " وَالدَهرُ لا يَبقـى عَلـى حَدَثانِـهِ " فقال :



وَالدَهرُ لا يَبقـى عَلـى حَدَثانِـهِ=مُستَشعِـرٌ حَلَـقَ الحَديـدِ مُقَنَّـعُ


ويحكي عن فارس شجاع مستلئم قابل قرنه في معركة متكافئة فتقاتلا وتسابقا بضربتين فأودتا بهما فقتلا وكلاهما ماجد شجاع وذكر ذلك في خمسة عشر بيتا.
فالشاعر يخاطب نفسه ويرغبها في التأسي والتعزي والتصبر عن المصاب ولذلك ذهب أبو ذؤيب مذهبا لا يذهبه من يرثي شخصا ليذكر مآثره تأبينا له بل لم يذكر بنيه السبعة بخاصة في بيت واحد لكنه أتى بالقصص المتخيلة التي كان مصير أبطالها إلى الموت وغرضه من هذه القصص تعزية نفسه.