الاثنين، 13 أغسطس 2012

ذنوب لا يكلِّم الله أصحابها يوم القيامة........


ذنوب لا يكلِّم الله أصحابها يوم القيامة , ولا يزكيهم , ولا ينظر إليهم , ولهم عذاب أليم .           

   والمقصود : أن أصحاب هذه الذنوب الله - عز وجل -  {لاَ يُكَلِّمُهُمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } : وجمهور المفسرين على أنه لا يكلّمهم كلاما ينفعهم , ويسرّهم , ويرضى به عليهم , وهناك أقوال أخرى هذا أصحها - والله أعلم - ؛ لأن الله - عز وجل -  يكلّم أهل النار وهم في النار , لكنه كلام ليس على سبيل الرّضا , فيقول تعالى: {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} , {وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} : أي : لا ينظر إليهم نظرا خاصا , بل يعرض عنهم فلا ينظر إليهم نظر رحمة , ولطف، وإنما النظر العام فإن الله - تعالى - ينظر إلى كل شيء سبحانه , {وَلاَ يُزَكِّيهِمْ}: أي: لا يطهرهم من الدنس , ولا يثني عليهم
خيرا , وهم عِدَّة أصناف :

الأول : الذين يكتمون ما أنزل الله - تعالى -  من الكتاب .
   فكتم علماء الأمة شيئاً من العلم إرضاءً لحكامهم , أو تحقيقاً لمصلحة شخصية , أو طلباً لعرض من الدنيا , صار مشابهاً لأحبار ورهبان اليهود والنصارى في كتمهم , فكان جزاؤهم هذا الجزاء .
   قال الله - تعالى - : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ البقرة:174]  .
   وفي سنن أبي داود , من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -  قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : " مَنْ سُئِلَ عن عِلْمِ عَلِمَهُ ثم
كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ"(2) .

الثاني : الذين ينقضون ما عاهدوا الله - تعالى - عليه , ويشترون بأيمانهم ثمناً قليلا .
   فيحلفون الأيمان الكاذبة ؛ ليحققوا مكسباً دنيوياً , قال الله - تعالى - : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَـهُمْ عَـذَابٌ
أَلِـيمٌ} [آل عمران:77] .
     وعند البخاري , من حديث عبدِ الله بن أبي أوفى - رضيَ الله عنه - :" أنَّ رَجُلاً أقامَ سِلعةً وهوَ في السُّوقِ، فحَلَفَ بالله لقد أعطى بها ما لم يُعطَ ؛ ليُوقِعَ فيها رجُلاً منَ المسلمينَ ، فنزَلَتْ:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً }"([1]).
  
   وجاء في صحيح مسلم ما يبين هذا الوعيد على من يروِّج سلعته بالحلف الكاذب ؛ لأن الناس سيصدقونه , وستنفد السلعة حينئذ , فيستغل الحلف كذبا ؛ لتنفيق سلعته , فعن أبي ذر - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: « ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللّهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ. قَالَ أَبُو ذَرَ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: «الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ , وَالْمَنَّانُ , وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ "(2).
   بل جاء عند الطبراني , من حديث سلمان - رضي الله عنه - ما يدل على أن الإنسان يستحق هذا الوعيد وإن كان صادقاً , حينما يكثر من الحلف بالله - تعالى - , قال رسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - : « ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أُشَيْمِطٌ زَانٍ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ، وَرَجُلٌ جَعَلَ اللَّهَ بِضَاعَةً، لا يَشْتَرِي إِلا بِيَمِينِهِ، وَلا يَبِيعُ إِلا بِيَمِينِهِ »(3) , قال المنذري: رواته يُحتج بهم في الصحيح.
الثالث : المسبل إزاره .
الرابع : المنَّان.
   الذي يسبل إزاره تحت الكعبين(4), وكذا الذي يعطي العطية فيمنُّ على الناس بها , يدخلان ضمن هذا الوعيد ؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - الذي تقدم , وفيه :«الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ , وَالْمَنَّانُ , وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ »(5).
الخامس : كبير السِّن إذا زنا .
السادس : الملك , والسلطان إذا كذبا .
السابع : الفقير إذا تكبَّر .
   وهؤلاء الثلاثة جاء وعيدهم في حديث أبي هريرة
- رضي الله عنه -  عند مسلم , قال رسول اللّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ , وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ , وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ , وَمَلِكٌ كَذَّابٌ , وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ»(6). 
   والسبب في اجتماع هؤلاء الثلاثة في هذا الوعيد : لأن كل واحد منهم فعل معصيته مع قِلَّة الدواعي إليها ؛
    فالشيخ ؛ وهو الكبير في السِّن قد بردت شهوته ، وخفَّت إرادته ، وهو مع ذلك يزني , فهذا غريب جدا في حقه ؛ لضعف الدواعي لذلك .
   والملِك كذلك ؛ وهو الإمام , فهو لا يخشى أحدا من رعيته ، ولا يحتاج إلى أن يداهن أحدا ، فالكذب منه غريب ؛ لضعف الدواعي إليه.
   والعائل ؛ وهو الفقير على ماذا يتكبر؟!  فإن غالب من يتكبر إنما يتكبر من أجل ما عنده من مال , أو جاه , والثروة في الدنيا , وهذا سبب ليس عند الفقير , فكان الاستكبار منه شيء غريب ؛ لقلة الدواعي لذلك , فهو المحتاج , والناس ربما يكونون سببا في سد حاجته , فكيف يتكبَّر عليهم , ولا شيء لديه يتكبَّر من أجله؟ ([2]).
الثامن : من منع ابن السبيل الماء الفاضل بالصحراء.
التاسع : من بايع إمام المسلمين ؛ لأجل أغراض دنيوية.
   فلو أن شخصا منع ابن السبيل , وهو: المسافر , ومن على شاكلته , من ماء زائد على الحاجة , فإنه يدخل في هذا الوعيد , وكذلك من بايع إمام المسلمين من أجل الدنيا , إن أعطاه من هذه الدنيا , وأموالها كان وفياً معه , وإن لم يعطه لم يفِ له , أي: أنه لم يبايعه ديانة , ونصحاً له , وتأييدا للحق الذي معه من الكتاب , والسُّنَّة , وإنما من أجل الدنيا , فإنه يدخل في هذا الوعيد .
ويدل على ذلك :
   حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه و سلم - : « ثَلاَثٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ , وَلاَ يُزَكِّيهِمْ , وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالفَلاَةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ , وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ بِالله لأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذٰلِكَ , وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَاما لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَا ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَىٰ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ »(2).



(1) رواه البخاري برقم (2088) .                  (2) رواه مسلم برقم (106) .
(3) رواه الطبراني (6/57) .
(4) وفي المسألة خلاف مشهور هل الوعيد ينطبق على من يسبل إزاره مطلقاً أو أن المقصود فيمن يسبل إزاره مختالاً , و ليس المقام مقام بسط للخلاف فيمن هو المسبل المتوعد عليه ؟ والأظهر والله أعلم أن المسبل مطلقاً يدخل في الوعيد فلا ينظر الله إليه يوم القيامة , وقد بسطت الخلاف في المسألة بأدلتها في إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم في كتاب الإيمان شرح الحديث رقم (  74 ) .
(5) رواه مسلم برقم (106) .                  (6) رواه مسلم برقم (107) .
(1) انظر: كلام القرطبي في المفهم (1/305) , وانظر :كلام القاضي عياض في شرح مسلم للنووي (3/299) .
(2) رواه البخاري برقم (2369) , رواه مسلم برقم (108) .
(3) رواه البخاري برقم (6638) , رواه مسلم برقم (990) .
(4) رواه البخاري برقم (6443) , رواه مسلم برقم (94) .   
 ـــــــــــــــــــــــــــــ
 الشرح صوتي
 http://forih.wordpress.com