الاثنين، 13 أغسطس 2012

تعلق الروح بالبدن





فَالرُّوحُ لَهَا بِالْبَدَنِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ التَّعَلُّقِ 

*************************
  مُتَغَايِرَةِ الْأَحْكَامِ :

 أَحَدُهَا : تَعَلُّقُهَا بِهِ فِي بَطْنِ الْأُمِّ جَنِينًا .

الثَّانِي : تَعَلُّقُهَا بِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ إِلَى وَجْهِ الْأَرْضِ .

الثَّالِثُ : تَعَلُّقُهَا بِهِ فِي حَالِ النَّوْمِ ، فَلَهَا بِهِ تَعَلُّقٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَمُفَارَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ .

الرَّابِعُ : تَعَلُّقُهَا بِهِ فِي الْبَرْزَخِ ، فَإِنَّهَا وَإِنْ فَارَقَتْهُ وَتَجَرَّدَتْ عَنْهُ ، فَإِنَّهَا لَمْ تُفَارِقْهُ


 فِرَاقًا كُلِّيًّا بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهَا إِلَيْهِ الْتِفَاتٌ أَلْبَتَّةَ ، فَإِنَّهُ وَرَدَ [ ص: 579 ] رَدُّهَا إِلَيْهِ

 وَقْتَ سَلَامِ الْمُسَلِّمِ ، وَوَرَدَ أَنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ . وَهَذَا الرَّدُّ 

إِعَادَةٌ خَاصَّةٌ لَا يُوجِبُ حَيَاةَ الْبَدَنِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

الْخَامِسُ : تَعَلُّقُهَا بِهِ يَوْمَ بَعْثِ الْأَجْسَادِ ، وَهُوَ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ تَعَلُّقِهَا بِالْبَدَنِ ، وَلَا نِسْبَةَ


 لِمَا قَبْلَهُ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعَلُّقِ إِلَيْهِ ، إِذْ هُوَ تَعَلُّقٌ لَا يَقْبَلُ الْبَدَنُ مَعَهُ مَوْتًا وَلَا نَوْمًا


 وَلَافَسَادًا ، فَالنَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ . فَتَأَمُّلُ هَذَا يُزِيحُ عَنْكَ إِشْكَالَاتٍ كَثِيرَةً .
















شرح العقيدة الطحاوية علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي

روى البخاري ومسلم من حديث الأعمش ، به . ولفظ البخاري عند تفسير هذه الآية ، عن عبد الله بن مسعود قال : بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث ، وهو متوكئ على عسيب ، إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ، فقال : ما رابكم إليه . وقال بعضهم : لا يستقبلنكم بشيء تكرهونه . فقالوا سلوه فسألوه عن الروح ، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا ، فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) الآية

 وقوله : ( قل الروح من أمر ربي ) أي : من شأنه ، ومما استأثر بعلمه دونكم ؛ ولهذا قال : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) أي : وما أطلعكم من علمه إلا على القليل ، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى .

والمعنى : أن علمكم في علم الله قليل ، وهذا الذي تسألون عنه من أمر الروح مما استأثر به تعالى ، ولم يطلعكم عليه ، كما أنه لم يطلعكم إلا على القليل من علمه تعالى . وسيأتي إن شاء الله في قصة
موسى والخضر : أن الخضر نظر إلى عصفور وقع على حافة السفينة ، فنقر في البحر نقرة ، أي : شرب منه بمنقاره ، فقال : يا موسى ، ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر . أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه ؛ ولهذا قال تبارك وتعالى : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )

وقال
السهيلي : قال بعض الناس : لم يجبهم عما سألوا ؛ لأنهم سألوا على وجه التعنت . وقيل : أجابهم ، وعول السهيلي على أن المراد بقوله : ( قل الروح من أمر ربي ) أي : من شرعه ، أي : فادخلوا فيه ، وقد علمتم ذلك لأنه لا سبيل إلى معرفة هذا من طبع ولا فلسفة ، وإنما ينال من جهة الشرع . وفي هذا المسلك الذي طرقه وسلكه نظر ، والله أعلم .

ثم ذكر
السهيلي الخلاف بين العلماء في أن الروح هي النفس ، أو غيرها ، وقرر أنها ذات لطيفة كالهواء ، سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر . وقرر أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن ، واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم ، فهي إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء . قال : كما أن الماء هو حياة الشجر ، ثم يكسب بسبب اختلاطه معها اسما خاصا ، فإذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار إما مصطارا أو خمرا ، ولا يقال له : " ماء " حينئذ إلا على سبيل المجاز ، وهكذا لا يقال للنفس : " روح " إلا على هذا النحو ، وكذلك لا يقال للروح : نفس إلا باعتبار ما تئول إليه . فحاصل ما يقول أن الروح أصل النفس ومادتها ، والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن ، فهي هي من وجه لا من كل وجه وهذا معنى حسن ، والله أعلم .

قلت : وقد تكلم الناس في ماهية الروح وأحكامها وصنفوا في ذلك كتبا . ومن أحسن من تكلم على ذلك الحافظ ابن منده ، في كتاب سمعناه في : الروح . 


تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى