الاثنين، 13 أغسطس 2012

مقامة الهدهد


خرج الهدهد من فلسطين بعد أن نفض ريشه من الطين، واستهواه حب الاطلاع، فهب في إسراع، بين مروج الأزهار، وحدائق الأشجار، حتى وصل غير بئيس إلى مملكة بلقيس ، فوجدها تملك الناس وعندها أهل النجدة والناس، ورأى كل كافر ولاه، يسجد للشمس من دون الله، فاستغرب وتعجب، وأدار رأسه وقلب، وردد لسان حاله وضرب يمينه بشماله،
وصاح: ألا يسجدوا لله العظيم ذي العرش الكريم، فهو أحق من عبد، وأولى من حمد، وأعظم من له سجد، فيا له من طائر ثائر، قصته عبرة لأولي البصائر، أما سليمان فصاحب السلطان، رسول الرحمن، فسأل عن الهدهد، فلما فقده توعده وهدده، ليجرده ويقيده، أو يبطحه ويذبحه، أو لينتف ريشه، ويهدم عريشه، ويكدر عيشه، وينسيه طيشه، فحضر الهدهد منسبأ ، يحمل النبأ، وأخبر سليمان الخبر، وأعلمه بالخطر، فأرسله بأقصر رسالة، ذات أصالة وجزالة، فيها رشد وعدالة، وحق وجلالة، فوضعها في منقاره وقيل بين أظفاره، ووصلت القصر وقت الظهر، فوجد الملكة نائمةً في القيلولة فطرح على صدرها الحملة بعدما دخل عليها من كوة، وولج البيت بقوة، ثم عاد غير بعيد وذاك من الرأي السديد؛ ليرى ماذا يكون، كل ذلك في هدوء وسكون، فسبحان من علمه التوحيد والنهج الرشيد، وأعمى كثيراً من بني آدم حتى صاروا أضل من البهائم، فانظر إلى الهدهد، وهذا التودد، والصراحة بلا تردد، كيف أدرك حقيقة الإيمان، وأنكر على أهل الأوثان! وأخبر سليمان ، وجاء بخطاب السلطان، وحصل على الأمان، وزلزل دولة من الأركان، فويل لمن كان الهدهد خيراً منه في الحياة، واحسرتاه! على من فاقه الهدهد في المعرفة، ويا ويلتاه! وتباً لمن غلبه الهدهد في البصيرة، والمعارف الغزيرة، والمسائل الكثيرة، مع صحة اعتقاد، وقوة اجتهاد.