السبت، 13 أكتوبر 2012

إياك وعقوق الوالدين


وقيل: سأل موسى عليه السلام ربه أن يريه رفيقه في الجنة؟ فأوحى الله تعالى: يا موسى، انطلق إلى مدينة كذا وكذا، فإنك ترى رفيقك في الجنة. فسار موسى عليه السلام حتى انتهى إلى المدينة، فتلقاه شاب فسلم عليه، فقال له موسى عليه السلام: عليك يا عبد الله السلام، أنا ضيفك الليلة. فقال له الشاب: يا هذا، رضيت إن رضيت بما عندي أنزلتك وأكرمتك، فقال له موسى عليه السلام: قد رضيت بما عندك.
فأنزله، وأخذه الشاب ومضى إلى حانوته، وكان الشاب جزاراً، فأجلسه حتى فرغ من بيعه وشرائه، وكان الشاب لا يمر بشحم ولا مخ إلا عزله، فلما كان وقت الإنصراف أخذ بيد موسى عليه السلام، وانطلق به إلى منزله، ثم أخذ الشاب الشحم والمخ وطبخه.

ثم دخل بيتاً فيه قفتان معلقتان في السقف فأنزل أحدهما إنزالا رفيقاً، وإذا فيها شيخ كبير قد سقط حاجباه على عينه من الكبر، فأخرجه من القفة وغسل وجهه وثيابه وبخرها، ثم ألبسه إياها، ثم أخذ خبزاً وثرده، وصب عليه الشحم والمخ وأطعمه حتى شبع، وسقاه حتى روي، فقال الشيخ: يا ولدي لا خيب الله سعيك معي، وجعلك رفيقاً لموسى بن عمران في الجنة. ثم أنزل القفة الثانية وفعل بها مثل الأولى، وإذا فيها عجوز كبيرة، فصنع معها مثل ما صنعه بالشيخ، فقالت: الحمد لله يا ولدي الذي لا خيب الله سعيك معي، وجعلك رفيق موسى بن عمران في الجنة. ثم ردهما إلى مكانهما.
وخرج موسى عليه السلام وهو يبكي رحمة لهما، فتبعه الشاب وقدم له طعاماً، فقال: يا أخي، ما أنا محتاج إلى طعامك، ولكن سألت الله أن يريني رفيقي في الجنة، فأوحى الله تعالى إلى أن رفيقي في الجنة أنت، فقال الشاب: من أنت يرحمك الله؟ فقال: أنا موسى بن عمران، فخر الشاب مغشياً عليه، و دخل على والديه وأخبرهما أن الله عز وجل قد استجاب دعاءهما وأن هذا موسى قد أخبره بذلك عن رب العالمين. فلما سمعا ذلك شهقا فماتا معاً، فغسلهما موسى وصلى عليهما، وصحبه الشاب إلى أن مات رضي الله عنه.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى، من بر والديه فليس له عندي جزاء إلا الجنة، ومن لم يبر والديه فليس له عندي جزاء إلا النار.
وقال أحمد التمار رضي الله عنه: مات لي أخ في الله تعالى، فرأيته في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال لي: منعني بعقوق الوالدين أن لا أشم رائحة الجنة وأنا منتظر قدومهما لعلهما يرضيان عني فيرضى الله علي.

كتاب : الزهر الفاتح في ذكر من تنزه عن الذنوب والقبائح
المؤلف : ابن الجزري