الثلاثاء، 29 يناير 2013

حكم التواطئ على الذكر والتسبيح والاستغفار على عدد معين في (الواتس أب)

س: نحن مجموعة سيدات نجتمع كل أسبوع تقريباً بإشراف معلمتنا التي تدرسنا الفقه والتفسير وحفظ القرآن ـ ولله الحمد ـ منذ عدة أعوام، ومنذ مدة قررت المجموعة الاستفادة من خدمة برنامج الــ (واتس آب) على الشكل التالي:
تحدد لنا معلمتنا صيغة ذكر نداوم عليها مدة أسبوع، مثل استغفار أو تهليل، وما إلى ذلك من أذكار، وكل يوم وعلى مدى أسبوع ترسل كل واحدة منا العدد المطلوب في نهاية كل يوم، بالإضافة إلى ختمة للقرآن كل أربعة أيام تقريباً، كل واحدة تنهي قراءة جزأين على مدى يومين.

طبعاً كل واحدة منا تطلع على نتيجة أذكار باقي أفراد المجموعة، ولا أخفيك سراً ـ يا فضيلة الشيخ ـ أن هذا يحدث بيننا نوعاً من التنافس، وهذا ما تسعى إليه معلمتنا، لكني شخصياً أخشى أن يخالط عملي هذا شيء من الرياء، فأخطئ من حيث أردت الصواب، وحيث إن لدي قلقاً وخوفاً دائمين على سلامة قلبي و عملي قدر المستطاع، أردت التأكد من مشروعية هذا العمل وموافقته لسنة النبي عليه الصلاة والسلام.
أود أن أنوه إلى أني التزمت معهم مدة أسبوع، وشعرت بهمة ونشاط أكثر في سائر العبادات اليومية، وهذا أسعدني كثيراً، لكن بقي عندي قلق من صحة مانقوم به، أفتونا مأجورين، جزاكم الله عنا كل خير.

ج: الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، أما بعد؛  فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)، ولم يكن مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليه التعاون على الذكر والاستغفار بتواطؤ جماعة على الالتزام بعدد من الذكر أو الاستغفار، وإنما أرشد أصحابه وأمته إلى الإكثار من ذكر الله ومن الاستغفار، وكان كل واحد من الصحابة والتابعين فمن بعدهم يقوم بما تيسر له من ذكر الله مطلقاً ومقيداً، وما تيسر من الاستغفار كذلك، مع الاجتهاد في إخفاء أعمالهم، تحقيقاً لكمال الإخلاص إلا ما اقتضت الشريعة إظهاره، كالذكر بعد الصلاة في الجماعة، والتكبير في عشر ذي الحجة، والتكبير والتلبية في الحج، وقد استحسن بعض الجهلة في عصر التابعين أن يجتمعوا حلقاً في المسجد، فيقول أحدهم: سبحوا مئة، كبروا مئة، هللوا مئة، فرآهم أبو موسى رضي الله عنه، ثم جاء إلى ابن مسعود فذكر له ما رأى، فجاء ابن مسعود، وقال: والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة"، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير، قال: "وكم من مريد للخير لن يصيبه".
     وبعد فما ذكرتِه أيتها الأخت ـ من التواطؤ على الذكر والتسبيح والاستغفار مدة أسبوع في كل يوم عدد معين ـ هو شبيه كل الشبه بما أنكره الصحابة رضي الله عنهم، وهو مع ذلك كما ذكرتِ أنت مدعاة للرياء، فناصحي زميلاتك، فإن استجبن لك وإلا فانسحبي من بدعتهم، سلامة لدينك، ولا تقاطعيهم فيما ذكرتِ من الدروس والتلاوة، ويشبه ما ذكرت من هذه الطريقة الخاطئة ما يقوم به بعض الأخوات من التواطؤ على أن تقرأ كل واحدة صفحات معلومة من القرآن، ثم تخبر زميلاتها بواسطة (الواتس آب)، فهو كذلك بدعة، ويغني عن ذلك كله التواصي بكثرة الذكر والاستغفار وتلاوة القرآن، وكلٌّ يفعل من ذلك ما وفقه الله له فيما بينه وبين ربه.
 هدى الله الجميع لمعرفة الحق واتباعه، والحذر من اتباع الهوى، قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، وقد كنتِ موفقة حين وجدت القلق وعدم الارتياح، وأحسنت في السؤال والتثبت، نسأل الله أن يلهمنا جميعاً رشدنا، ويقينا شر أنفسنا، وصلى الله على نبينا محمد وسلم.
 أملاه: عبدالرحمن بن ناصر البراك      4/3/1434هـ