الأربعاء، 16 يناير 2013

المرء مع من أحب


وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال جاء رجل إلى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسُول اللَّهِ كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) [متفق عليه].

وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن أعرابياً قال لرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال له رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ما أعددت لها؟)، قال: ما أعددت لها من كثير صوم ولا صلاة ولا صدقة ولكني أحب اللَّه ورسوله، قال: (أنت مع من أحببت) [متفق عليه].
نستفيد من هذين الحديثين فضيلة محبة النبى صلى الله عليه وسلم ومحبة الصحابة رضي الله عنهم جميعا ومحبة المؤمنين؛ لعموم هذا الحديث في ان المرء مع من احب، وبهذا الحب الصادق يفرح المؤمن إذا من الله به عليه، وإن كان بينه وبين السلف الصالح مئات السنين.

وبلا شك ان من صدق في حب الله ورسوله لم يحد عن شرع الله ولم يتهاون به، ألا ترى في قول الله تعالى: {قل إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

فاعلم يا أخي؛ هذا الاجر الكثير بهذا العمل اليسير.

واعلم؛ ان محبة الله ورسوله والمؤمنون توجب بغض الكفار واعداء الله ورسوله والمحادين لله المستهزئين بدينه؛ خوفا أن يكون معهم.

وقد نقل الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى في كتابه "فتح المجيد"، في باب قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.

فقال: (قال العلامة بن القيم في قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ} - الآيتين من سورة البقرة -؛ فهؤلاء المتبوعون كانوا على الهدى، واتباعهم ادعوا انهم على على طريقهم ومنهاجهم وهم مخالفون لهم سالكون غير طريقهم، يزعمون ان محبتهم لهم تنفعهم من مخالفتهم، فيتبرأون منهم يوم القيامة، فانهم اتخذوهم أؤلياء من دون الله، وهذا حال كل من اتخذ من دون الله آلهة وأولياء يوالي لهم ويعادي لهم ويرضى لهم ويغضب لهم، فإن اعماله باطلة يراها يوم القيامة حسرات عليه مع كثرتها وشدة تعبه فيها ونصبه، إذ لم يجرد موالاته ومعاداته وحبه وبغضه وانتصاره وإيثاره لله ورسوله، فأبطل الله عز وجل ذلك العمل كله وقطع تلك الاسباب، فينقطع يوم القيامة كل سبب وصلة ووسيلة ومودة كانت لغير الله، ولا يبقى إلا السبب الواصل بين العبد وربه، وهو حظه من الهجرة إليه والى رسوله وتجريده عبادته لله وحده ولوازمه من الحب والبغض والعطاء والمنع والموالاة والمعاداة والتقريب والابعاد، وتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم تجريدا محضا من شوائب الالتفات إلى غيره، فضلا عن الشرك بينه وبين غيره، وفضلا عن تقديم قول غيره عليه، فهذا السبب هو الذي لا ينقطع بصاحبه، وهذه هي النسبة بين العبد وربه وهي نسبة عبودية محضة، وهي آخيته، التى يجول ما يجول وإليها مرجعه، ولا تتحقق إلا بتجريده متابعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، إذ هذه العبودية إنما جاءت على ألسنتهم وما عرفت إلا بهم ولا سبيل إليها إلا بمتابعتهم، وقد قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}، قهذه هي الاعمال التى كانت في الدنيا على غير سنة رسله وطريقتهم ولغير وجهه يجعلها الله هباءا منثورا لا ينتفع منها صاحبها بشيء أصلا، وهذا من اعظم الحسرات على العبد يوم القيامة أن يرى سعيه ضائعا وقد سعد أهل السعى النافع بسعيهم) أهـ [ملخصا من فتح المجيد]. 
 
جهيمان بن سيف العتيبي