الأحد، 20 يناير 2013

سنن مندثرة

العدد 139 لشهر ذو القعدة 1432هـ
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
أقدم إليك أخي القارئ صفحات سطرت فيها بعض السنن المندثرة بين الناس ثم ألحقت بكل سنة تعليقاً يسيراً من أقوال أهل العلم سائلاً المولى أن تكون هذه الأسطر دليلاً لإحياء سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
• السنة
إذا أطلقت السنة يراد بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي طريقته التي كان عليها في عباداته وأخلاقه ومعاملاته وهي أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وإقراراته ، هذه هي السنة بشكل عام فهي الطريقة.

ويطلق الفقهاء السنة: على كل ما أمر به الشارع ليس على وجه الإلزام.وهو الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه وهي المرادة في صفحاتنا الآتية فهي عمل يترجح فعله على تركه ويثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : ( … ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي عليها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ) رواه البخاري
• السلام على الصبيان واستحباب المصافحة عند أي سلام
عن أنس بن مالك رضي الله عنه : (أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله) متفق عليه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا) رواه أبو داوود وصححه الألباني.
التعليق:
* في السلام على الصبيان تعويدهم منذ الصغر على آداب الشريعة ، وامتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم .
* في السلام على الصبيان حمل النفس على التواضع وسلوك لين الجانب.
* من علامات الساعة الصغرى أن يكون السلام على من تعرف فقط. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير ؟ قال : ” تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ” متفق عليه
• المضمضة بعد شرب اللبن
عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فمضمض وقال : ( إن له دسماً ) رواه البخاري.
التعليق:
*قال ابن حجر : وفي الحديث بيان العلة للمضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شيء دسم .
* يستحب المضمضة بعد كل طعام له دسم لقاعدة “الحكم يدور مع علته ” فاستحباب المضمضة تدور مع علة الدسم .
• صلاة النافلة في المنزل
عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” صلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ” متفق عليه.
التعليق:
*عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا : “اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا” متفق عليه .
*استحباب صلاة النافلة في البيت لأن ذلك أبعد عن الرياء ، وإخراج البيت عن كونه شبيهاً بالقبور ، فإن القبور ليست محلاً للصلاة .
* قال ابن القيم : وكان يصلي عامة السنن والتطوع الذي لا سبب له في بيته لا سيما سنة المغرب فإنه لم يُنْقَل عنه أنه فعلها في المسجد البت
• الوضوء قبل النوم , والنوم على الجنب الأيمن
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إذا أتيت مضطجعك , فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل : اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك , رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك , آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت . واجعلهن آخر ما تقول ” متفق عليه.
التعليق :
قال النووي : في هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة :
إحداها : الوضوء عند إرادة النوم ، فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته , وليكون أصدق لرؤياه ، وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه .
الثانية: النوم على الشق الأيمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ، ولأنه أسرع إلى الانتباه .
الثالثة: ذكر الله تعالى لتكون خاتمة عمله .
• التسوّك عند دخول المنزل
عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك) رواه مسلم.
• سنن في الأكل
الأكل بثلاثة أصابع، ولعق اليد قبل مسحها، ورفع اللقمة عند سقوطها، وإماطة ما بها من أذى وأكلها.
عن كعب بن مالك رضي الله عنه عن أبيه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها ). رواه مسلم .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه ” فلا يمسح يده بالمنديل حتى يَلعَقَها أو يُلعقها “متفق عليه.
التعليق :
* والعلة من ذلك جاءت في حديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال : ” إنكم لا تدرون في أيِّهِ البركة ” رواه مسلم.
* قال ابن عثيمين: أنه ينبغي للإنسان أن يأكل بثلاث أصابع … لكن هذا في الطعام الذي يكفي فيه ثلاث أصابع أما الطعام الذي لا يكفي فيه ثلاث أصابع مثل الأرز فلا بأس أن تأكل بأكثر .
* لعق النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه سنة , والحكمة منها جاءت في حديث جابر قول النبي صلى الله عليه وسلم ” لا تدرون في أيِّهِ البركة “.
* إن الشيطان يلازم الإنسان ويرغب في مشاركته حتى في أكله وشربه وأن أكل اللقمة الساقطة بعد إماطة الأذى منها فيه حرمان للشيطان .
* أن البركة قد تكون فيما أكله الإنسان ، أو فيما بقي على أصابعه ، أو فيما بقي في الصحفة ، أو في اللقمة الساقطة .
• التنعل
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال ، ليكن اليمنى أولهما تُـنعَـل وآخرهما تُـنزَع )متفق عليه .
التعليق:
* قال النووي: يستحب البداءة باليمنى في كل ما كان من باب التكريم والزينة والنظافة ونحو ذلك ، كلبس النعل والخف والمداس والسراويل والكم وحلق الرأس وترجيله وقص الشارب ونتف الإبط والسواك والاكتحال وتقليم الأظافر والوضوء والغسل والتيمم ودخول المسجد والخروج من الخلاء ودفع الصدقة وغيرها من أنواع الدفع الحسنة وتناول الأشياء ، ونحو ذلك ، ويستحب البداءة باليسار في كل ما هو ضد السابق .
• التنفس خارج الإناء ثلاثاً
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثاً ) متفق عليه .
التعليق :
* والمراد به إبعاد الإناء عن فم الشارب ثم التنفس خارجه وإلا فالتنفس في الإناء منهي عنه.
* قال ابن القيم : وطريقة التنفس في الشراب ثلاثاً , إبانته القدح عن فيه , وتنفسه خارجه, ثم يعود إلى الشراب كما جاء مصرحاً به الحديث الآخر ” إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في القدح ” ولكن ليبين الإناء عن فيه . أخرجه ابن ماجة بسند صحيح
• خلع النعلين عند المشي بين القبور
عن بشير رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة فإذا رجل يمشي بين القبور عليه نعلان فقال: “يا صاحب السِّـبــتيـَّــتَـين ويحك اخلع سِبتِيّتَيك” فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما ) رواه أبو داوود وصححه ابن حجر والذهبي.
قال ابن عثيمين: المشي بين القبور بالنعال خلاف السنة ، والأفضل للإنسان أن يخلع نعليه إذا مشى بين القبور إلا لحاجة ، إما أن يكون في المقبرة شوك أو شدة حرارة أو حصى يؤذي الرِّجل فلا بأس به أن يلبس الحذاء أو يمشي به بين القبور
• سجود الشكر
عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا أتاه أمر يُسَرُّ به خرَّ ساجداً ) رواه أبو داوود والترمذي.
التعليق:
* يدل هذا الحديث على سنية سجود الشكر عند وجود نعمة عظيمة يسر بها .
* الصحيح أنها لا يشترط له طهارة ولا قبلة ولا ستر عورة ، لأنه ليس صلاة ، فالصلاة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم.
قال الشوكاني في نيل الأوطار : وليس في أحاديث سجود الشكر ما يدل على التكبير
• توديع المسافر بهذا الذكر
عن قزعة قال : قال لي ابن عمر رضي الله عنهما هلمَّ أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أَسْتَودِعُ اللهَ دينَك وأمانتَك وخواتيمَ أعمالك” رواه أبو داوود وأحمد والترمذي وصححه الألباني .
التعليق:
* يسن أن يودَّع المسافر بهذا الذكر .
* (استودع الله دينك ) أي: أطلب من الله أن يحفظ دينك .
* (وأمانتك) قال الخطابي : الأمانة ههنا أهله ومن يخلفه منهم وماله الذي يودعه ويستحفظه أمينه ووكيله ومن في معناهما ، وجرى ذكر الدين مع الودائع لأن السفر موضع خوف وخطر وقد يصيبه فيه المشقة والتعب فيكون سبباً لإهمال بعض الأمور المتعلقة بالدين ، فدعا له بالعون والتوفيق فيها .
*يسن أن يقول المسافر للمودع : أستودعك الله الذي لاتضيع ودائعه ، فعن أبي هريرة قال : ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ” أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه “
• إلقاء السلام قبل مفارقة المجلس
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليُسلَّم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس , ثم إن قام فليسلم , فليست الأولى بأحق من الآخرة ) رواه أبو داود والترمذي وقال الألباني حديث حسن صحيح .
التعليق :
* في هذا الحديث أن الرجل إذا دخل على المجلس فإنه يسلم ، فإذا أراد أن ينصرف وقام وفارق المجلس فإنه يسلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك
• تقول لمن أحببته في الله: إني أحبك في الله
عن المقداد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه ” رواه أبو داود والترمذي .
التعليق:
* تدل الأحاديث أنه من السنة إذا أحببت شخصاً في الله أن تقول : إني أحبك في الله .
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون لجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي “
• لبس البياض من الثياب
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي.
التعليق:
* رأى النبي صلى الله عليه وسلم ملكين شاركا في غزوة أحد وعليهما ثياب بيض ، فعن سعد بن أبي قاص رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كأشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد ” متفق عليه وزاد مسلم قال سعد :” يعني جبريل وميكائيل “.
قال النووي : فيه فضيلة الثياب البيض
• التبكير إلى صلاة الجمعة
عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من غسَّل يوم الجمعة واغتسل ، ثم بكَّر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ : كان له بكل خطوة سنة ، أجر صيامها وقيامها ) رواه أبو داود والترمذي .
التعليق :
فيه أفضلية من فعل هذه الأمور الخمسة وهي : الاغتسال والتبكير والمشي إلى المسجد والدنو من الإمام  والإنصات له.
• ختم المجلس بكفارة المجلس
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( من جلس في مجلس كَثُرَ فيه لغطه فقال قبل أن يقوم : “سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك “. إلا غَـفَـرَ الله له ما كان في مجلسه ذلك ). رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
التعليق:
لما كان الشيطان حريصـاً على إضلال الناس تربص لهم في مجالسهم ، وكان الله رؤوفـاً بعباده حيث شرع لهم كلمات تكفـِّر عنهم ما علق بهم من أدران المجلس.
وفقنا الله جميعا لاتباعه ، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم إنه سميع مجيب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بامكانك تحميل المطوية بصيغة Pdf من هنا