الخميس، 20 سبتمبر 2012

رغيفٌ بألفِ دينار

في أيام المستنصر الفاطمي، وقع بمصر الغلاء الذي فَحُش أمرُه، وشنع ذكره. وكان أمده سبع سنين، وسببه ضعف السلطنة، واختلال أحوال المملكة، واستيلاء الأمراء على الدولة، واتصال الفتن بين العربان، وقصور النيل.. ‏
‏ وقد استولى الجوع لعدم القوت حتى بيع الإردب من القمح بثمانين دينارًا، وأُكِلت الكلاب والقطط، فبيع كلب ليؤكل بخمسة دنانير. وتزايدت الحال حتى أكل الناسُ بعضهم بعضًا. ‏ ‏ وكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها ومعهم حبال فيها كلاليب، فإذا مرَّ بهم أحد ألقوها عليه، ونشلوه في أسرع وقت، وشرّحوا لحمه وأكلوه. وجاء الوزير يومًا إلى الخليفة على بغلته، فأكلتها العامة، فشنق طائفة منهم، فاجتمع عليهم الناس فأكلوهم. ‏ ‏ ومن غريب ما وقع أن امرأة من أرباب البيوتات أخذت عِقدًا لها قيمته ألف دينار، وعرضته على جماعة في أن يعطوها به دقيقًا. وكان يُعتَذَرإليها إلى أن رحمها بعض الناس، وباعها به كيس دقيق. فلما أخذته أعطت بعضه لمن يحمله ويحميه من النهّابة في الطريق. فلما وصلت إلى باب زويلة، تسلّمته من الحُماة له ومشت قليلاً. فتكاثر الناس عليها وانتهبوه نهبًا. فأخذت هي أيضًا مع الناس من الدقيق ملء يديها، لم ينُبها غيره. ثم عجنته وشوته، فلما صار قرصة أخذتها معها، وتوصَّلت إلى أحد أبواب القصر، ووقفت على مكان مرتفع، ورفعت القرصة على يديها بحيث يراها الناس، ونادت بأعلى صوتها: ‏ ‏ يا أهل القاهرة! ادعوا لمولانا المستنصر الذي أسعد اللّهُ الناسَ بأيامه حتى تقوّمت عليّ هذه القرصة بألف دينار! ‏