الاثنين، 24 سبتمبر 2012

إذا كان الكَذِبُ يُنجي فالصدقُ أنجى

قيل: لُكلِّ شَيءٍ حِلية وحِليةُ النُطقِ الصِدقُ.
وقيل الصدقُ عَمودُ الدين و رُكنُ الأدبِ وأصلُ المُروءةِ فلا تَتِمُّ هذه الثلاثةُ إلا به. وقال أرسطاليس: أحسَنُ الكلامِ ما صَدقَ فيه قائِلُه، وانتَفعَ بِه سامِعُه. وقال المُهلب بن أبي صُفرة: ما السيفُ الصارمُ في يَدِ الشُجاعِ بأعزَّ له مِن الصدقِ.


 وقيل: مَن لَزِمَ الصدقَ وَ عَوَّدَ لِسانَهُ بِه وُفِّق. ويقال: الصدقُ بالحُرِّ أحرى. وقال عتبة بن أبي سفيان: إذا اجتمع في قلبك أمران لاتدري أيُّهما أصوب، فانظر أيهما أقربُ إلى هواك فخالِفهُ، فإنَّ الصوابَ أقربُ إلى مُخالَفةِ الهوى، وقال أرسطاليس: المَوتُ مع الصدقِ خَيرٌ مِن الحياةِ مَع الكَذِب. وكان نَقشُ خاتم ذي يَزَن: "وَضعُ الخَدِّ للحَقِّ عِزٌّ".
وامتدح ابن ميادة جعفر بن سليمان فأمر له بمائة ناقة، فقَبَّل يَدَهُ وقال والله ما قَبَّلتُ يَدَ قُرَشيٍّ غيرك إلا واحداً، فقال أهو المنصور؟ قال لا والله، قال فمن هو : قال الوليد بن يزيد، قال فغضب، وقال والله ماقَبَّلتَها لله تعالى، فقال والله ولا يَدك ما قَبَّلتُها لله تعالى، ولَكن قَبَّلتُها لنفسي. فقال والله لاضَرَّكَ الصدقُ عندي اعطوهُ مائة أُخرى.
وقال عامر العدواني في وصيته: وَجدتُ صِدقَ الحديث طرفاً مِن الغيب فاصدقوا. يعني مَن لَزِمَ الصدقَ وعَوَّدَه لِسانَهُ وُفِّق، فلا يكاد يَنطِقُ بِشَيءٍ يَظُنُّه إلا جاء على ظَنِّه.
وخَطبَ بِلالٌ لأخيهِ امرأةً قُرَشية فقال لأهلها: نَحنُ مَن قَد عَرفتُم، كُنّا عَبدين فأعتقنا الله تعالى، وكنّا ضالين فهدانا الله تعالى، وكنّا فقيرين فأغنانا الله تعالى، وأنا أخطبُ إليكم فُلانة لأخي فإن تَنكِحوها له فالحمد لله تعالى، وإنْ تردونا فالله أكبر. فأقبل بعضهم على بعض فقالوا بلالٌ ممن عرفتم سابقته ومشاهده ومكانه مِن رَسول الله صلى الله عليه وآله، فَزَوِّجوا أخاه فَزَوَّجوه. فلما انصرفوا قال له أخوه يغفر الله لك ما كُنتَ تَذكرُ سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وتَترُكُ ما عدى ذلك فقال: مه يا أخي، صَدقت فأنكَحكَ الصدقُ.
وخَطبَ الحجاجُ فأطال فقام رَجلٌ فقال: الصلاة، فإن الوقتَ لايَنتَظِرُك، والربُّ لايَعذِرُك. فأمر بحبسهِ فأتاه قَومُهُ وزعموا أنه مجنون وسألوه أنْ يُخلي سبيله، فقال: إنْ أقرَّ بالجنون خَليّتُه فقيل له، فقال معاذ الله، لا أزعم أنَّ الله ابتلاني وقد عافاني فبلغ ذلك الحجاج فعفا عنه لصدقه.

 
- من كتاب المستطرف لكل فن مستظرف (بتصرف).