الجمعة، 28 سبتمبر 2012

قصيدة في رثاء الأندلس لأبي الفضل الوليد بن طعمة

يا أرض الأندلس الخضراء حيينا لعل روحا من الحمراء تحيينـا

عادت الى أهلها تشتاق فتيتها فأسمت من غنـاء الحـب تلحينـا
كانت لنا فعنت تحت السيوف لهم لكن حاضرها رسـم لماضينـا
في عزنا اكتسبت منا فصورتنـا محفوظـة أبـدا فيهـا تعزينـا
لابدع ان نشقتنا مـن أزاهرهـا طيبـا فانـا ملأناهـا رياحينـا
و ان طربنـا لألحـان نرددهـا فانهـا أخـذت عنـا أغانيـنـا
وفي البرتغال و اسبانية ازدهرت آدابنا و سمعت دهـرا مبانينـا
و في صقلية و الآثار ما برحت تبكي التمدن حينا و العلـى حينـا
كم من قصور و جنات مزخرفة فيهـا الفنـون حمعناهـا أفانيـا
و كم صروح و أبراج ممردة زدنا بها الملـك توطيـدا و تمكينـا
و كم مساجد أعلينـا مآذهنهـا فأطلعـت أنجمـا منهـا معالينـا
تلك البلاد استمدت من حضارتنـا مـا أبدعتـه وأولتـه أيادينـا
فيها النفائس جاءت من صناعتنا و من زراعتنا صارت بساتينـا
فأجدبت بعدنا و استوحشت زمنا تصهر الينا و تبكي مـن تنائينـا
أيام كانت قصور الملك عالية كان الفرنـج الـى الغابـات آوينـا
و حين كنا نجر الخز أردية كانوا يسيرون في الأسـواق عارينـا
جاءت من الملأ الأعلى قصائدنا و الروم قد أخذوا عنـا قوافينـا
لم يعرفوا العلم الا من مدارسنا و لا الفروسية الا مـن مجارينـا
أعلى الممالك داستها جحافلنا و سرحـت خيلنـا فيهـا سراحينـا
تلك الجياد بأبطال الوغى قطعت جبال برنات وانقضت شواهينـا
في أرض إفرنسة القصوى لها أثر قد زاده الدهر ايضاحا و تبيينا
داست حوافرها ثلجا كما وطئت رملا و خاضت عبابا في مغازينا
كسرى و قيصر قدفرت جيوشهما للرزبـان و للبطريـق شاكينـا
حيث العمامة بالتيجان مرزية من يوم يروموك حتى يـوم حطينـا
وللعروش طواف بالسيرير اذا قام الخليفة يعطـى النـاس تأمينـا
بعد الخلافة ضاعت أرض أندلس و مافي العرب الدنيا و لا الدينا
الملك أصبح دعوى في طوائفهم و استمسكوا بعرى اللذات غاوينـا
و كل طائفة قد بايعت ملكا لم يلف من غـارة الإسبـان تحصينـا
وهكذا يفقد السلطان هيبته ان اكثر النـاس بالفوضـى السلاطينـا
تلك المساجد صارت للعدى بيعا بعد الأئمـة لا تهـوى الرهابينـا
هل ترجعن لنا ياعهد قرطبة فكيف نبكـي و قـد جفـت مآقنيـا
ذبلت زهرا و من ذياك نشوتنا و ان ذكراك فـي البلـوى تسلينـا
ماكان أعظمها للملـك عاصمـة و كـان أكثرهـا للعلـم تلقنـا
لم يبق منها و من ملك و من دول الا رسول و أطيـاف تباكينـا
و الدهر مازال في آثار نعتمها يروي حديثا بـه يشجـو أعادينـا
أين الملوك بنو مروان ساستها يصحون قاضين أو يسمون غازينا
و أين أبنـاء عبـاد و رونقهـم و هـم أواخـر نوفـي دياجينـا
يأيها المسجد العاني بقرطبـة هـلا تذكـرك الأجـراس تأذينـا
تلك القصور من الزهـراء طامسـة و بالتذكـر نبنيهـا فتبنينـا
علىالممالك منها أشرفت شرف و الملك يعشق تشييـدا و تزيينـا
و عبد رحمانها يلهو بزخرفها و الفن يجمع فيها الهنـد و الصينـا
كانت حقيقة سلطان و مقدرة فأصبحت في البلى و هما و تخمينـا
عمائم العرب الأمجاد ما برحت على المطارف بالتمثيل تصبينـا
و في المحاريب أشباح تلوح لنا و في المنابـر أصـوات تنادينـا
يابرق طالع قصورا أهلها رحلوا و حى أجداث أبطـال منيخنيـا
أهكذا كانت الحمراء موحشـة اذ نـت ترقـب أفـواج المغنينـا
و للبرود حفيف فوق مرمرها و قد تضوع منهـا مسـك دارينـا
و ياغمام افتقد جنات مرسية ورد مـن زهرهـا وردا و نسرينـا
و أمطر النخل و الزيتون غادية و التوت و الكرم و الومان و التينا
أوصيك خيرا بأشجار مباركة لأنهـا كلهـا مـن غـرس أيدنيـا
كنا الملوك و كان الكون مملكة فكيف بتنـا المماليـك المساكينـا
و في رقاب العدى انفلت صوارمنا و اليوم قد نزعوا منا السكاكينا