السبت، 8 سبتمبر 2012

صيانَةُ العلْم


وَجَّهَ الرشيدُ إلى مالكِ بن أنسٍ رَحِمَهُ الله لِيأتَيه فَيُحَدِّثَهُ؛ فقال مالك: إنَّ العِلمَ يُؤتى! فسار الرشيدُ إلى مَنزِلِه فاستَنَدَ معه إلى الجدار، فقال: يا أمير المؤمنين، مِن إجلالِ الله تعالى إجلالُ العِلم، فَقامَ و جَلَسَ بين يَدَيهِ. وفي أمثالِ العرب: إنَّ الثعلبَ والغرابَ تَحاكَما إلى الضَبِّ فقالا: أُخرُجْ واحكُمْ بَينَنا، فقال: في بَيتِهِ يُؤتى الحَكَم. وقال لقمان لابنه: صُنْ عِلمَكَ فَوقَ صيانَةِ نَفسِكَ. وقيل: لَمْ يُرَ أفضَلُ مِن الخليلِ (الخليل بن أحمد الفراهيدي) في التَّلَطُّفِ عَن الكَسبِ بالعلم، كانَ الناسُ يأكلونَ بِعِلمِهِ وهو في خِصٍ (بيت من القصب) لَه، وخَرجَ إلى مكةَ والناسُ يقولون في الحرمين: قال الخليلُ وذكر الخليلُ، ورجعَ إلى البصرةِ ولَمْ يُعلَمْ بِمكانِه. قال الشيخ رحمه الله: و مَن مَلكَ نَفسَهُ هكذا فَحقيقٌ أنْ يُقالَ رَجُلُ فَضلٍ و صِدق. وللقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني:
ولَم أبتذلْ في خدمَةِ العِلمِ مُهجَتي -- لِأَخدِمَ مَن لاقيتُ لكن لأُخدَما
و لَو أنَّ أَهلَ العِلمَ صانوهُ صانَهم -- و لو عَظَّموهُ في النفوس لَعُظِّما
ولكن أهانوه فهانوا، ودَنَّسوا -- مُحَيّاهُ بالأطماعِ حتّى تَجَهَّما
- من كتاب "مُحاضراتُ الأُدباءِ"  للراغِبِ الأَصْفَهاني.