الأحد، 23 سبتمبر 2012

ثنتانِ لا أصبو لِوَصلِهِما

رويَ عَن علي بن يوسف القفطي، أنَّه قال : كُنتُ و أنا صَبيٌّ قد قَدِمتُ مِن مِصرَ، و استصحَبتُ سِنَّورا (هِرَّة) اصبهانيا على ما تقتضيه الصبوة، و اتفق أنْ وَلَدَت عِدَّةً مِن الأولاد في دارِنا، فَنزلَ سِنَّورٌ ذكر فأكل بعض تلك الجراء فَغَمَّني ذلك، و أقسمتُ أنْ لا بد لي مِن قَتلِ الذي أكلَها، فَصَنَعتُ شِركاً و نَصَبتُهُ في عُلِّية في دارنا و جَلَست، فإذا بالسنور قد وقع في الحَبّالة (المصيدة)، فَصَعَدتُ إليه و بيدي عُكازٌ و في عزمي هَلاكَهُ، و كان لنا جِيرة (جيران) و قد خَرِبَ الحائِطُ بَينَنا و بينهم، و نصبوا فيه بارية (حصيرة لتسترهم) إلى أن يَحضُرَ الصُّناعُ، و كان لِرَبِّ تلك الدارِ بنتان، لَم يَكُن فيما أظنُّ أحسنَ مِنهُما صُورَةً و جمالا، و شكلا و دلالا و كانتا مَعروفَتينِ بذلك في بلدنا، و كانتا بِكرين، فلما هممتُ بقتله إذا قد انكشف جانب البارية، فَوَقَعَتْ عيني على ما يُبهِرُ المشايخ فكيف الشُبان، حُسنا و جمالا، و إذا هما تُومِئانِ إليَّ بالأصابع تَسأَلاني إطلاقَهُ.

قال: فأطلقتُهُ و نزلت، و في قلبي ما فيه، لِكَوني كُنتُ أوَّلَ بُلوغي، و الوالِدة جالِسَةٌ في الدار لِمَرضٍ كان بها، فقالت: ما أراكَ قتلتَهُ كما كانَ عَزمُك ؟
فقلتُ لها : ليسَ هوَ المطلوب؟ إنما هو سنور غيره.
فقالت : ما أظن الأَمر على ذلك، و لكن هَل أُومِئَ إليك بالأصابعِ حتى تركتَهُ؟
فقلتُ : مَن يُؤمِئُ إلىَّ؟ و لا اعرفُ معنى كلامَكِ.
فقالت على ذلك: يا بُنيَّ اسمع مِنى ما أقولُ لك:
ثنتانِ لا أصبو لِوَصلِهِما -- عِرسُ الخليلِ (زوجة صاحبي) و جارَةُ الجَنبِ
أما الخليلُ فَلَستُ خائِنُهُ -- و الجارُ أوصاني بِه رَبي

قال : فوالله لكأنَّ ماءً وَقَعَ على نَارٍ فأطفأها، فما صَعدتُ بعد ذلك إلى سَطحٍ و لا غُرفة إلى أن فارَقتُ البلاد، و لقد جاء الصيف فاحتملتُ حَرَّهُ، و لم اصعد إلى سطح في تلك الصيفية.

راوي القصة هو علي بن يوسف القفطي ، يُعرف بالقاضي الأكرم احد الكتاب المشهورين المُبرزين في النظم و النثر ولد 568هـ. و توفى 646هـ. و كانت والدتُه امرأةً صالحة حَسنةُ العبادةِ فَصيحَةُ اللهجة.

- مِن كتاب "مُعجَمُ الأُدباءِ" لياقوتَ الحَمَوي.