الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

معنى السنة -نماذج من حرص السلف على السنة - من ثمــرات أتبـــاع السنــة


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

- معنى السنة
السنة في الأصل هي كل ما أضيف للرسول  صلي الله عليه وسلم  من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية , هذا هو معنى السنة , ففي الأصل هي الطريقة , ومنه قول النبي  صلي الله عليه وسلم  : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشديين المهديين عضوا عليها بالنواجذ " رواه أبوداود والترمذي من حديث العرباض بن سارية  رضي الله عنه  , فكل ما كان على طريقته  صلي الله عليه وسلم  فهو من سنته , فقد يكون المأمور به في سنته مستحباً أو واجباً حسب ما تقتضيه الأدلة .

ثم شاع عند المتأخرين أن السنة هي بمعنى المستحب والمندوب وهو الذي جرى عليه عمل أهل الأصول والفقه وهذا المعنى هو المراد في هذه الورقات , فالسنة على هذا المقصود : هي ما أمر بها الشارع ليس على وجه الإلزام , وثمرتها : أنه يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها .
- نماذج من حرص السلف على السنة
- روى مسلم في صحيحه حديث النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ حَبِيبَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ  صلي الله عليه وسلم  يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ». قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ  صلي الله عليه وسلم  .
وَقَالَ عَنْبَسَةُ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ أُمِّ حَبِيبَةَ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَنْبَسَةَ.
وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ سَالِمٍ: مَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ.
- حديث عَلِي  رضي الله عنه   : أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا. وَأَتَى النَّبِيَّ  صلي الله عليه وسلم  سَبْيٌ. فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ. وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ. فَأَخْبَرَتْهَا. فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ  صلي الله عليه وسلم  ، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا. فَجَاءَ النَّبِيُّ  صلي الله عليه وسلم  إِلَيْنَا. وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا. فَذَهَبْنَا نَقُومُ. فَقَالَ النَّبِيُّ  صلي الله عليه وسلم  : «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي. ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْراً مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللّهَ أَرْبَعاً وَثَلاَثِينَ. وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. وَتَحْمَدَاهُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ. فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : قَالَ عَلِيٌّ  رضي الله عنه  : مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ  صلي الله عليه وسلم . قِيلَ لَهُ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ.
ومعلومٌ أن ليلة صفين ليلة دارت فيها معركة كان عليٌّ رضي الله عنه قائداً فيها ومع ذلك لم ينشغل عن هذه السنة .
- كان ابن عمر  رضي الله عنه   يصلي على الجنازة ثم ينصرف ولا يتبعها ظانَّاً أن هذا هو كمال السنة , ولم يعلم بالفضل الوارد في إتباعها حتى تدفن , فلما بلغه حديث أبي هريرة  رضي الله عنه   ندم على فوات السنة وتأمل ماذا قال . عن عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ وَقَّاصٍ ، أَنَّهُ كَانَ قَاعِداً عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. إذْ طَلَعَ خَبَّابٌ صَاحِبُ الْمَقْصُورَةِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ! أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ  صلي الله عليه وسلم  يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا. ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ. كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ. وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ مِنَ الاٌّجْرِ مِثْلُ أُحُدٍ»؟ فَأَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ  رضي الله عنه   خَبَّابَّاً إلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  . ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ مَا قَالَتْ: وَأَخَذَ ابْن عُمَرَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ. حَتَّى رَجِعَ إلَيْهِ الرَّسُولُ , فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه  . فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ بِالْحَصَى الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الاٌّرْضَ . ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ. رواه البخاري ومسلم .
قال النووي : " وفيه ما كان الصحابة عليه من الرغبة في الطاعات حين يبلغهم , والتأسف على ما يفوتهم منها وإن كانوا لا يعلمون عظم موقعه "
- حديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ قَرِيباً لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ . قَالَ فَنَهَاهُ وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ وَقَالَ: «إنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيْداً وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوّاً. وَلكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» قَالَ فَعَادَ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَداً. رواه البخاري ومسلم , والخذف هو رمي الإنسان بحصاة أو نواة ونحوهما يجعلها بين أصبعيه السبابتين أو الإبهام والسبابة.
والنماذج في حفاظهم على السنة وتعظيمها كثيرة ولا عجب فقد كانوا أحرص الناس على الخير , وهكذا تأثر بهم مَن بعدهم من السلف والقرون المفضلة , وأصبح التأريخ يسطر لنا ممن تبع أولئك الرجال في التمسك بالسنة نماذج تشجع النفس على الحرص على السنة واقتفائها , فهذا الإمام أحمد رحمه الله وضع في كتابه المسند فوق أربعين ألف حديث، لكنه عمل بها كلها، قال: ما تركت حديثاً إلا عملت به، ولما قرأ " أن النبي  صلي الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة الحجام ديناراً " قال: احتجمت وأعطيت الحجام ديناراً، والدينار أربعة غرامات وربع من الذهب، لكن لأجل تطبيق الحديث بذلها الإمام أحمد رحمه الله تعالى , والنماذج في هذا الصدد كثيرة , نسأل الله أن يحيي سنة نبينا  صلي الله عليه وسلم  في قلوبنا لتنال من الفضائل والمِنَحِ والقُرْبِ من الله  عز وجل  ما استودعه في سنة نبيه  صلي الله عليه وسلم , فباتباع السنة ينال الإنسان ذلك , ولذا يقول ابن القيم ( في المدارج ) " قال ابن عطاء : من ألزم نفسه آداب السنة نوَّر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه" وقال ابن القيم ( في اجتماع الجيوش ) : " ترى صاحب اتباع الأمر والسنة قد كُسي من الرَوح والنور ومايتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حُرِمه غيره كما قال الحسن: " إن المؤمن من رُزق حلاوةً ومهابة "
- من ثمرات اتباع السنة
لإتباع السنة – أخي الحبيب – ثمرات كثيرة منها :
1- الوصول إلى درجة المحبة , فبالتقرب لله  عز وجل  بالنوافل تنال محبة الله  عز وجل للعبد .
قال ابن القيم ( في المدارج ) : " ولا يحبك الله إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهراً وباطناً, وصدقته خبراً , وأطعته أمراً , وأجبته دعوةً , وآثرته طوعاً , وفنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة غيره من الخلق بمحبته , وعن طاعة غيره بطاعته , وإن لم يكن ذلك فلا تتعنَّ, وارجع من حيث شئت فالتمس نوراً فلست على شيء "
2- نيل معيَّة الله تعالى للعبد , فيوفقه الله تعالى للخير فلا يصدر من جوارحه إلا ما يرضي ربه  عز وجل ؛ لأنه إذا نال المحبة نال المعيَّة .
3- إجابة الدعاء المتضمنة لنيل المحبة , فمن تقرب بالنوافل نال المحبة , ومن نال المحبَّة نال إجابة الدعاء .
ويدل على هذه الثمرات الثلاث : حديث أبي هريرة قال: قال رسول الَّله  صلي الله عليه وسلم : «إن اللَّهَ قال: من عادَى لي وَليّاً فقد آذَنْته بالحرب. وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افتَرَضْته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحبه ، فإذا أحبَبته كنت سمعه الذي يسمع به وبَصرَه الذي يبصر به ويدَه التي يبطِش بها. ورجله التي يمشي بها، وإنْ سألني لأَعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذَنه. وما ترددتُ عن شيء أنا فاعله ترَدُّدي عن نفسِ المؤمن يكرَه الموتَ وأنا أكرَه مَساءته». رواه البخاري .
4- جبر النقص الحاصل في الفرائض , فالنوافل تجبر ما يحصل في الفرائض من خلل .
ويدل على ذلك : حديث أبي هريرة  رضي الله عنه   قال : سمعت رسولَ الله صلي الله عليه وسلم   يقولُ: «إنَّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من عملهِ صَلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضةٍ شيئاً قال الرب تبارك وتعالى: أنظروا هل لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقصَ من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِهِ على ذلك» رواه أحمد وأبوداود والترمذي .
5- حياة القلب كما تقدّم ، فالعبد إذا كان محافظاً على السنة كان لما هو أهم منها أحفظ فيصعب عليه أن يفرِّط بالواجبات أو يقصِّر فيها , وينال بذلك فضيلة أخرى وهي تعظيم شعائر الله , فيحيا قلبه بطاعة ربه , ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض .
6- البعد والعصمة من الوقوع في البدعة ؛ لأن العبد كلما كان متبعاً لما جاء في السنة كان حريصاً ألا يتعبد بشيء إلا وفي السنة له دليل يُتَّبع , وبهذا ينجو من طريق البدعة .
وللحفاظ على السنة ثمرات كثيرة , قال ابن تيمية ( في القاعدة الجليلة ): "فكل من اتبع الرسول  صلي الله عليه وسلم  فالله كافيه وهاديه وناصره ورازقه " وقال تلميذه ابن القيم ( في المدارج ) " فمن صحب الكتاب والسنة وتغرب عن نفسه وعن الخلق وهاجر بقلبه إلى الله فهو الصادق المصيب "

أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن يتبعون هدي النبي  صلي الله عليه وسلم  ظاهراً وباطناً ويقتفون أثره ويحشرون في زمرته إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيراً إلى يوم الدين .

مأخوذة من كتاب   المنح العلية في بيان السنن اليومية  للشيخ عبد الله بن حمود الفريح حفظه الله