دعني أنثرها عبارات حبرها العبرات , خرجت من أعماق قلبي , أخذْتُ معها نفساً عميقاً , وفِكْراً رجع بذاكرته بعيداً بعيدا , لأتفقد فيك مجالس إيمانية كنت تتقلب فيها , وبساتين روحانية كنت تقطف منها زهوراً فتحيي قلبك , وثماراً فتزيد إيمانك , لأتفقد قلباً كان حياً في جوفك , ينبض بدقات تدفعك وتقربك من ربك , وبهمٍّ يجول في خاطرك دوما عنوانه : ماذا عساني أن أقدم لديني ؟؟

وبفكر عميق وهاجس يتردد يقول : كيف لي أن أؤثر على فلان ليدخل ميدان الاستقامة التي أنا فيها , والسعادة التي أجوب فيها , فتبذل قصارى جهدك , وكل ما في وسعك , فتبتسم له تارة , وتخدمه تارة أخرى , وتتفقده أخرى , وتعطيه من حلو الكلام وطيبه مما يرضي الله تعالى تارة , وتؤانسه أخرى , كل هذا تريد أن تقربه من ربك , فيالها من همة كانت تتقد في صدرك !!
أين هي هذه الهمة أو شيئا منها ؟ علَّك تراجع فيها نفسك وتسعف فؤادك ؟؟؟
أتذكر معي , , ,
حينما كنت تؤقت ساعتك لصلاة في جوف الليل هناك حيث تسبل العبرات والنداءات , وهناك يرفرف القلب شوقاً لما عند الله تعالى فأنت تخلو بربك وتردد : يا آلله ثبت قلبي على طاعتك , يا رب وفق فلانا وفلانا فتعدد بعض أصحابك لأنك ترى أن هذا من حق الأخوة لهم منك .
ثم أنت في سجودك خاضعاً لربك خاشعاً منكسراً منيباً , أظهرت له عجزك وضعفك , واعترفت بتقصيرك وذنبك , فتتنهد وأنت في سجودك , ياآ الله ارحم عبداً ضعيفاً أتاك تائبا نادما .
فأين ندمك ؟ وابتهالك وقربك من ربك ألست إليه اليوم أحوج ؟؟؟


أتذكر معي , , ,
مصحفك الذي لا يفارق جيبك , وإن فارقها فهو قريب في متناولك , أتذكر تلك الأجزاء التي تقلبها , فتراجعها وتسردها , وأنت حيناً تأتي للمسجد مبكراً من أجلها , وحيناً تتفق مع أخيك لتراجعا سوياً , وتحرص تمام الحرص على الضبط والإتقان , ثم أنت تسعد جداً حينما تنتهي من حزبك .
أين هو ذلك المصحف الذي تغير لونه من كثرة ما تقلبه بين يديك , وما حالك مع كتاب الله تعالى ؟؟؟

أتذكر معي , , , ,
حينما نتبادل الأشرطة المؤثرة ويوصي بعضنا بعضا بسماعها , ونحرص على توزيعها , بل ربما تبادلنا شيئاً من عبارات ذلك الشريط وكلمات الشيخ من شدة انتباهنا لما سمعناه , فأين هذا التوقد والانتباه ؟؟
وكم محاضرة سمعت منذ شهرين أو ثلاثة وأخشى أن أزيد فدعني أترك الزيادة والله المستعان ؟؟؟

أتذكر معي , , ,
حينما كنت تخرج مع طلاب الحلقة لرحلة إيمانية في استراحة أو رحلة برية , فيها روحانية الأخوة والترابط , فيجول مدرس الحلقة بقلوبنا بين حقول إيمانية ونشاركه ببرامج توعوية وأنشطة مختلفة , فنرجع وقد رسمت في قلوبنا أثرا , وفي نفوسنا محاسبة , وهمك كله : كيف أزيد من عملي لأحقق أملي .
فيا ترى أين هو العمل اليوم وما هو الأمل ؟؟؟

أتذكر معي , , ,
حينما كنت حريصاً على تتبع الفائدة فرحاً بها مستزيداً طامعاً بغيرها , ثم أنت تحاول إيجاد مجال لبسطها وإفادة من حولك بها , فماذا عساك تستفيد وتفيد اليوم ؟؟؟

أتذكر معي , , ,
حينما يكون بينك وبين أحد إخوانك في الله سوء فهم ونزاع , لا يلبث كثيراً حتى تعود النفوس صافية والقلوب متصافحة قبل الأيادي .
فأي صفح تحمله اليوم ؟؟ وأي تفسير لتصرف تراه من أخيك اليوم ؟؟؟

أتذكر معي , , ,
حينما تسافر لبضعة أيام , ما أن يأتي عليك يوم إلا وتحس بفقدك لأخ لك في بلدتك فأنت تتذكره دوماً وتتمنى اليوم الذي ترجع فيه لتنقلب إليه مسروراً , الشوق يحدوك , والعين باسمة قبل الثغر , والقلب يرفُّ حتى تلاقيه .
وياترى ما شعورك تجاه إخوانك اليوم حينما تفارقهم ؟؟

أتذكر معي , , ,
تفقدك لقلبك دوماً , تسأل تارة عما يحييه , فتسأل كيف تكون مخلصاً لربك في عمل ما , وتسأل تارة عما يلين قلبك لأنك تشكو من قسوته وظلمته وبعده عن الله جل في علاه .
فهل قلبك اليوم حي ؟؟ أو يقاسي ويعاني ؟؟ أو بات حجراً لا يحس ولا يتحرك ؟؟؟

أتذكر معي , , ,
حينما تفوتك صلاة الفجر , كيف يكون استيقاظك بعدما تشرق الشمس ؟؟ حينما تقوم مهموماً لفوات الصلاة عليك , بل أتذكر حينما واعدت نفسك لتكون من أصحاب الصف الأول , بل حسبت وعددت لنفسك ألا تفوتك تكبيرة الإحرام , فتتحسر لفواتها , وتغتم لذهاب ثمرتها .
واليوم كم تفوتك الصلاة في الأسبوع ؟؟؟ ولن أقول في اليوم لأني أرى فيك بقية حرص.

أتذكر معي , , ,
حينما تقع عينك على امرأة أو صورة محرمة رأيتها في جريدة أو مجلة أو في السوق أو في أي مكان , كنت – وإن ضعفت نفسك – تلومها بعد النظرة وينتابك الحزن والقلق , حزن على ما وقع , وقلق على ما سيأتي من حرمان نور الطاعة وانشراح الصدر .
كيف أنت اليوم مع بعض ما ابتليت به ؟ أليس بين أيامك خبايا ورزايا وخفايا ؟ ذنوب خلوات جلبن لك أعظم البليات إما في الأسواق أو في شاشات القنوات الفضائية وأشر منها وأطم الشبكات العنكبوتية حيث الخلوة – والله المستعان – وأي خلوة ؟؟ رحم الله خلوة صالحي زمن سبق , ورد الله بعض خلوات صالحي زمن لحق إلى الحق والصواب – وهم إن شاء الله قليل - ولكنه مع الأسف واقع وعند بعضهم ليس له دافع , أليس هذا حرمان ؟
وأشد من هذا الحرمان أن يكون قلبك ميت في مثل هذه المواقف لا تعاتب ولا تحاسب نفسك , بل ربما طرقت نظر الحرام بكل أريحية والله المستعان , وهذا لا أخالك تبلغه بإذن الله تعالى , وإن بلغته فتنبه فالأمر خطير , تشخيصه : قلب في حالة حرجة ليس له إلا أحد أمرين إما انتفاضة أو انتكاسة , انتفاضته باللوم ومراجعة النفس ومجاهدتها ألا تعود (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )) وانتكاسة في قلبك الباطن تورث انتكاسة في الظاهر .
الذكريات كثيرة جدا ولربما لو جاد ذهنك بما في تليدك وسابقك , لأخذت نفساً عميقاً أخرج زفرات مليئة بالأسى والحسرة , فأتركك لتتذكرها وقصدت فيما سبق أن أجول بخاطرك قليلا لتكمل أنت في نفسك ذكرياتك السابقة التي مُلئت إيمانا صادقا ونورا يشع به وجهك لسلامة قلبك وقربه من ربك , وعندها متيقن أنك ستأخذ نفساً عميقاً يخرج بزفرات وأنَّات وآهات , ولكن أخي :
لازال في العمر بقية , وفي أيامك فرص ذهبية , وفي قلبك نيَّة نقيَّة , فجدَّ أُخي واجتهد وشمِّر ولا تقل ذاك زمن ذهب بما فيه من خير ولن يعود , فالذي أخرج المؤمنين من الظلمات إلى النور ومن الكفر والضلال إلى الإسلام والهداية قادر على أن يجعل منك قلبا قريبا ونفسا تحمل هما كبيرا .
ولكن هي المجاهدة التي نحتاجها في واقعنا اليوم , فهي خصلة نفتقدها ولذا نضعف أمام المغريات والملهيات ونتكاسل في الطاعات دون أدنى مقاومة , فالمجاهدة المجاهدة فالله تعالى قال : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } .


كتبها : عبدالله بن حمود الفريح .
2/4/1431 هـ