الخميس، 22 نوفمبر 2012

حبر القصيم وبحرها ( العلامة سليمان العلوان ) . بقلم الشيخ : خالد الشايع .


حبر القصيم وبحرها ..


الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد :

فقد دلت نصوص الوحيين على ما ينبغي من موالاة المؤمنين بعضهم لبعض ، قال الله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ، وقد عُلِمَ ما تقتضيه هذه الموالاة من إسداء كل خير للمسلم ومدافعة كل شر عنه ، ولا ريب أن جرح من ليس بأهل للجرح وتنقُّصَه منكرٌ قبيح ، وتزداد النكارة والقبح إذا كان المجروح أهلاً للحمد والمدح .

وفي ضوء ذلك : تقرر ما ينبغي من حفظ حقوق العلماء على وجه الخصوص ، لأن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنزلهم منزلةً ما أنزلها غيرهم من الأمة ؛ فقال : " إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثُوا ديناراً ولا درهماً ، ورَّثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي الدرداء .
هذه التوطئة أسوقها بين يدي تعجبي الشديد مما ناله بعض الناس من بعض علماء العصر وفضلائهم ، وخاصة عبر شبكة الإنترنت مما أطلعني عليه بعض المحبين ، وحيث أني لم أحرر شيئاً من قبل في منتديات الإنترنت فقد آثرت أن يكون هذا التوضيح عبر صفحات مجلة الدعوة سائلاً الله تعالى أن ينفع به .
وبدايةً أقول : إنَّ من نيل منهم عدد من فضلاء العلماء وبأقلامٍ لا يُدرى من أصحابها ولا مدى عدالتهم ؛ لأن ما يكتب في الغالب يكون بأسماء رمزية أو غير معروفة ، لكن نحسن الظن بهم ، وأنهم ما أرادوا إلا الخير ، ولكن : ( كم من مريدٍ للخير لم يصبه ) .
وسوف أبدأ البيان والتوضيح حول أحد علماء الأمة ، ويتبع بإذن الله البيان عن بعض آخر .
فمما وقفت عليه ما يتعلق ببعض الألفاظ والكلمات الشانئة والخاطئة في حق فضيلة الشيخ / سليمان بن ناصر العلوان وفقه الله وفي منهجه .
لقد كانت كلمات متهورة ألصقت بالشيخ عدداً من التهم التي ما كان ينبغي أن تصدر في حقه ، كيف يقال في الشيخ ما قيل وهو صاحب سُنَّةٍ واتباع ؟! كيف يقال في الشيخ ما قيل وهو العلامة الأثري الحافظ المحقق ؟! كيف يقال في الشيخ ما قيل ولو وقف طالب العلم المنصف على علم الشيخ لتذكر به حُفَّاظ الأمة كأحمد وابن معين وابن رجب وغيرهم رحمهم الله ؟! ولئن كان إخواننا يجهلون ما وفَّق الله إليه الشيخ سليمان ففي ظني أنه قد فاتهم خيرٌ كثير ، ولو علم من نال من الشيخ سليمان مرتقاه الصعب لندم على ما خطَّه بنانه .
لقد كنت أسمع عن الشيخ كلمات من هنا وهناك ، وذلك قبل أن ألتقي به وأعرف ما أوتي من العلم والفضل ، تلك الكلمات تصف الشيخ بأنه متشدد ، وبأن لديه نزعة الخروج على الولاة ، وبأنه كذا ، وبأنه كذا ، فكنت لا أعير لهذا الكلام اهتماماً لا تكذيباً ولا إقراراً ، اللهم إلا ما نطالب به المتحدث من التثبت والحذر من البغي .
لكن لما لقيت الشيخ وسمعت منه وطالعت بعض مؤلفاته أدركت كم فتح الله على الشيخ سليمان من العلم والبيان الذي يجب أن يشكر الله عليه ، ومن شكره بَثُّه في الأمة ، وتوخي الأساليب المناسبة في إفادة الناس فهذا أوان ضرورة الناس للعلم ، وينبغي أن تُهيأ الأسباب للشيخ سليمان ولإخوانه من أهل العلم لبث العلم وتبصير الأمة .
ومما تأكد لدي أيضاً : ما يتحلى به الشيخ من أخلاق كريمة من تواضع وكرم وإنصاف ، وهو مع ذلك على بحر من العلم والأدب والفصاحة وحسن البيان وحضور الحجة ، لا تُمل مجالسته ولا يُنْزفُ عِلْمُه ، ولو زار القصيم اليوم زائرٌ فقال : رأيتُ فيها عجائب قَلَّ أن أراها في الدنيا ، وذكر من ذلك : الشيخ سليمان العلوان ؛ ما كان إلا مصيباً .
والشيخ سليمان قد أثنى عليه أئمة عصرنا ، وفي صدرهم الإمامان ابن باز وابن عثيمين - رحمهما الله - ، فالقول قولهما ، لا قولي ، ولا قول غيري ، وإنه ليس لمثلي أن يقوِّم الشيخ ، وهو على القدر الجليل الذي أحسبه عليه ، ولا أزكيه على الله تعالى ، ولكن الأمر كما أخبر المعصوم - صلّى الله عليه وسلّم - : " أنتم شهداء الله في الأرض " أخرجاه في الصحيحين من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه - .
وما أحسن ما قال بعض السلف وهو يثني على أحد العلماء : لقد مَنَّ الله علينا به ، وقد شحت أرحام النساء أن تلد مثله ، في زمان يحتاج الناس فيه لحياة الوحيين ونورهما ، ولقد جالسناه الأيام والليالي فما رأينا منه إلا كلَّ خير .
أقول : ومع ذلك كله فإن الشيخ سليمان العلوان - وفقه الله - كغيره من أهل العلم يصيب ويخطئ ، وكلٌّ يؤخذ منه ويُرد عليه إلا المعصوم ، والمعول في الحق على من تابع الدليل وسلك مسلك السلف رحمهم الله ، وما أحسن ما قال الحافظ الذهبي - رحمه الله - في كلام معناه : ( إنَّ الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعُرِف صلاحُه وورعه واتباعه يغفر له زلَلُه ، ولا نُضَلِّلُه ونطَّرِحه وننسى محاسنه ، وأخطاؤه لا تُسقط حقَّه وماله من توقير العلماء وإجلالهم وإن صغر سنه ، نعم ولا نقتدي به في خطئه ) ، أو نحواً من هذا الكلام .
وبكل حال : فإن المتعين على المرء أن يحذر من إطلاق الأحكام والأوصاف على الناس من غير بينة ، وخاصةً أهل العلم منهم ، وإذا أراد أحدٌ تنبيهاً على خطأ فسبيل ذلك معلوم ، وليس منه إيغار الصدور ولا الاتهامات ولا الغلظة والتشديد .
وأحسب أني بما ذكرته لم آتِ بجديد ، فذلك يدركه كل من كان عنده أدنى حظ من العلم أو أقل مسكة من عقل ، ولكن لعله أن يشفع لي ما تعلمته على مدى خمسة عشر عاماً بين يدي شيخنا الإمام العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله - ، فقد كان منهجه في معاملة أهل العلم ، وفي أوجه مخالفتهم ، وفي مناصحتهم ، وفي عموم التعامل معهم قائماً على الرفق والإنصاف .
وإني لأنصح نفسي وإخواني بادّخار الجهود لنفع الأمة ورفعتها ، وفق منهج السلف ، مع الحرص على تأليف القلوب وعلى الاجتماع ، ومعرفة حقوق أولي الأمر من الأمراء والعلماء ، وأن نعلم أن الأمة اليوم في منعطف خطير من حياتها في ظل التسلط الغاشم من اليهود والنصارى ومن تواطأ معهم ، وما لم ندرك ذلك فالعاقبة مؤسفة وأليمة .
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه .
حررت ما تقدم مستحضراً ما روي عن النبي – صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال : " ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موضع تُنتهك فيه حُرْمَتُهُ ويُنتقَصُ فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته " رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث جابر بن عبدالله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهم ، وفي سنده كلام لكن لعله يقوى بالشواهد كما نبه أهل العلم .
وصلى الله على معلم الناس الخير ، نبينا وإمامنا محمد بن عبدالله ، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً .
حرره الفقير لعفو ربه : خالد بن عبد الرحمن الشايع في 23 رمضان 1423هـ .