نصف متفقه....
أبو شبر....

أراد أن يطب زكاما فأحدث جذاما


قال ابن تيمية رحمه الله في نهاية كتابه "الحموية:

"فأما المتوسطون من المتكلمين:

فيخاف عليهم ما لا يخاف على من لم يدخل فيه وعلى من قد أنهاه نهايته:

فإن من لم يدخل فيه:
فهو في عافية.
ومن أنهاه:
فقد عرف الغاية فما بقي يخاف من شيء آخر فإذا ظهر له الحق وهو عطشان إليه قبله.
وأما المتوسط:

فيتوهم بما يتلقاه من المقالات المأخوذة تقليدا لمعظمة هؤلاء .

وقد قال بعض الناس :

"أكثر ما يفسد الدنيا : نصف متكلم ونصف متفقه ونصف متطبب ونصف نحوي هذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان وهذا يفسد الأبدان وهذا يفسد اللسان."([1])


وعقد الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله فصلا كاملا في كتابه "حلية طالب العلم" في "المحاذير" صَدَّره بـ "حلم اليقظة" قال فيه
:
"الفصل السابع: المحاذير

حلم اليقظة:

إياك و(حلم اليقظة)

ومنه:
بأن تدعي العلم لما لم تعلم، أو إتقان ما لم تتقن، فإن فعلت، فهو حجاب كثيف عن العلم.
احذر أن تكون "أبا شبر
"([2]).
فقد قيل:
العلم ثلاثة أشبار، من دخل في الشبر الأول، تكبر ومن دخل في الشبر الثانى، تواضع ومن دخل في الشبر الثالث، علم أنه ما يعلم."
كما عقد الشيخ بكر في "حليته" مبحثا بعنوان:

التنمر بالعلم:

قال فيه:

احذر ما يتسلى به المفلسون من العلم، يراجع مسألة أو مسألتين، فإذا كان في مجلس فيه من يشار إليه، أثار البحث فيهما، ليظهر علمه! وكم في هذا من سوءة، أقلها أن يعلم أن الناس يعلمون حقيقته.

وقد بينت هذه مع أخوات لها في كتاب "التعالم"، والحمد لله رب العالمين."

كما عقد الشيخ رحمه الله مبحثا بعنوان:

تحبير الكاغد

قال فيه:

كما يكون الحذر من التأليف الخالي من الإبداع في مقاصد التأليف الثمانية([3])، والذي نهايته "تحبير الكاغد"([4]) فالحذر من الاشتغال بالتصنيف قبل استكمال أدواته، واكتمال أهليتك، والنضوج على يد أشياخك، فإنك تسجل به عاراً وتبدى به شناراً.

أما الاشتغال بالتأليف النافع لمن قامت أهليته، واستكمل أدواته، وتعددت معرافه، وتمرس به بحثا ومراجعة ومطالعة وجرداً لمطولاته، وحفظاً لمختصراته، واستذكاراً لمسائله، فهو من أفضل ما يقوم به النبلاء من الفضلاء.

ولا تنس قول الخطيب:

"من صنف، فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس".

موقفك من وهم من سبقك:

إذا ظفرت بوهم لعالم، فلا تفرح به للحط منه، ولكن افرح به لتصحيح المسألة فقط، فإن المنصف يكاد يجزم بأنه ما من إمام إلا وله أغلاط وأوهام لا سيما المكثرين منهم.

وما يشغب بهذا ويفرح به للتنقص، إلا متعالم "يريد أن يطب زكاما فيحدث به جذاما..

نعم، يبنه على خطأ أو وهم وقع لإمام غمر في بحر علمه وفضله، لكن لا يثير الرهج عليه بالتنقص منه والحط عليه فيغتر به من هو مثله.

ـــــــــــــــــــــــــ


(
[1]) نهاية كتاب الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

(
[2]) -"تذكرة السامع والمتكلم"(ص65).

(
[3]) - أول من ذكرها بن حسب في:"نقط العروس"، وانظر تسلسل العلماء لذكرها في:"إضاءة الراموس"(2/288) مهم.

(
[4]) هو القرطاس: فارسي معرب.