زيغة الحكيم - تقادم الحق

يقول ابن رجب رحمه الله في كتابه جامع العلوم والحكم:
قال معاذ بن جبل :
أحذركم زيغةَ الحكيم ، فإنَّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم ، وقد يقول المنافق كلمة الحق.
فقيل لمعاذ :
ما يُدريني أنَّ الحكيمَ قد يقول كلمة الضلالة ، وأنَّ المنافق يقول كلمةَ الحقِّ ؟
قال :
اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يُقال : ما هذه ؟ ولا يثنينك ذلك عنه ، فإنَّه لعلَّه أنْ يُراجع ، وتَلَقَّ الحقَّ إذا سمعته ، فإنَّه على الحقِّ نوراً ، خرَّجه أبو داود.
وفي روايةٍ له:
قال : بل ما تشابه عليك من قول الحكيمِ حتَّى تقول : ما أراد بهذه الكلمة ؟
يقول ابن رجب رحمه الله:
فهذا يدل على أنَّ الحقَّ والباطل لا يلتبِسُ أمرُهما على المؤمن البصير ، بل يعرف الحقَّ بالنُّور الذي عليه ، فيقبله قلبُه ، ويَنفِرُ عن الباطل ، فينكره ولا يعرفه ، ومِنْ هذا المعنى قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( سيكون في آخر الزَّمان قوم يحدِّثونَكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإيَّاكم وإياهم )
يعني : أنَّهم يأتون بما تستنكره قلوبُ المؤمنين ، ولا تعرفه.
وفي قوله : (أنتم ولا آباؤكم):
إشارةٌ إلى أنَّ ما استقرَّت معرفتُه عند المؤمنين مع تقادُمِ العهد وتطاول الزَّمان ، فهو الحقُّ، وأنَّ ما أحدث بعد ذلك مما يستنكر ، فلا خيرَ فيه .