الثلاثاء، 26 فبراير 2013

النصوص الدالة على الاحتجاج بخبر الآحاد


وقد وردت نصوص كثيرة تدل على وجوب الأخذ بحديث الآحاد والاحتجاج بها في إثبات العقائد ، منها :
1- قوله تعالى : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافةً فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) [ التوبة : 122 ] فهذه الآية فيها حثّ للقبائل والعشائر وأهل النواحي والأقطار المختلفة من المؤمنين على أن ينفر من كلّ منهم طائفة ليتفقهوا في دينهم ، ثم يرجعوا إلى قومهم فينذروهم ، والطائفة في لغة العرب : تطلق على الواحد فما فوق ، والتفقه في الدين : يشمل العقائد والأحكام ، بل التفقه في العقائد أهم من التفقه في الأحكام ، ولذا أطلق الإمام أبو حنيفة – رحمه الله – على وريقات كتبها في العقائد : ( الفقه الأكبر ) ، ففي الآية دليل صريح على وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة ، وإلا لما جاز للطائفة أن تنذر قومها .
2- قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمَنُوا إن جاءكم فاسق بِنَبَأٍ فتبينوا ) [ الحجرات: 6] وفي القراءة الأخرى ( فتثبتوا ) ، فإنّها تدلّ على أنّ من لم يكن فاسقاً بأن كان عدلاً إذا جاء بخبر ما فالحجة قائمة به ، وأنّه لا يجب التثبت ، بل يؤخذ حالاً .

3- وقد ورد في السنة ما يوضح قوله تعالى : ( فلولا نفر من كل فرقةٍ منهم طائفة ) [ التوبة : 122 ] ، فقد روى البخاري في صحيحه عن مالك بن الحويرث قال : ( أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن شَبَبَة متقاربون ، فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة ، وكان رسول الله رحيماً رقيقاً ، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا ، أو قد اشتقنا ، سألنا عمن تركنا بعدنا ، فأخبرناه ، قال : ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا فيهم ، وعلموهم ، ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي ) . (1)
فقد أمر كلَّ واحد من هؤلاء الشباب أن يعلِّم كلُّ واحد أهله ، والتعليم يعمّ العقيدة ، بل هي أول ما يدخل في العموم ، فلو لم يكن خبر الآحاد مما تقوم به العقيدة لم يكن لهذا الأمر معنى .
4- وفي صحيحي البخاري ومسلم أيضاً : أنّ أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : " ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام ، قال فأخذ بيد أبي عبيدة " فقال : ( هذا أمينُ هذه الأمة ) ". (2)
فلو لم تقم الحجة بخبر الواحد لم يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم أبا عبيدة وحده ، وكذلك يقال في بعثه صلى الله عليه وسلم في نوبات مختلفة أو إلى بلاد متفرقة غيره من الصحابة : كعلي بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل ، وأبي موسى الأشعري ، وأحاديثهم في الصحيحين وفي غيرهما .
ولا ريب أن هؤلاء كانوا يعلّمون العقائد في جملة ما يعلمون ، فلو لم تكن الحجة قائمة بهم عليهم لم يبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أفراداً .
قال الإمام الشافعي – رحمه الله – في كتابه ( الرسالة ) : " وهو لا يبعث بأمره ، إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمة بقبول خبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " . (3)
الرد على القائلين إن حديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقيدة :
وقد ردَّ العلماء على الذين لا يأخذون بأحاديث الآحاد في العقيدة من وجوه كثيرة منها :
1- القول إن أحاديث الآحاد لا تثبت بها عقيدة قول مبتدع حادث لا أصل له في الشريعة ، وكلّ ما كان كذلك فهو قول مردود .
2- قولهم هذا في ذاته عقيدة ( أي أنّ أحاديث الآحاد لا يحتج بها ) ، وعلى طريقتهم فإن هذه العقيدة تحتاج إلى دليل قطعي ينهى عن الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة ، ولا دليل على ذلك .
3- لو وجد دليل قطعي يدل على أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها عقيدة لعلمها الصحابة وصرحوا بها ، وكذلك مَنْ بعدهم من السلف الصالح .
4- هذا القول مخالف للمنهج العلمي الذي كان عليه الصحابة ، فقد كان الواحد منهم يقبل خبر من حدثه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويجزم به ، ولا يرد قول أخيه بحجة أن الحديث الذي نقله إنما هو حديث آحاد .
5- الأدلة الدالة على وجوب الأخذ بأدلة الكتاب والسنة تشمل العقائد والأحكام ، فتخصيص هذه الأدلة بالأحكام دون العقائد إذا كانت آحاداً تخصيص من غير مخصص .
6- أمر الله – تعالى – رسوله بالبلاغ المبين ، ومعلوم أنّ البلاغ المبين هو الذي تقوم به الحجة على المُبلغ ويحصل به العلم ، فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم ، لم يقع به التبليغ فإنّ الحجة إنّما تقوم بما يحصل من العلم .
7- يلزم من هذا القول إبطال الأخذ بالأحاديث الآحاد في العقيدة مطلقاً من بعد الصحابة الذين سمعوه منه صلى الله عليه وسلم مباشرة ، لأن الأحاديث لم تصل للناس قبل تدوينها إلا بطريق الآحاد ، والذين وصلهم الحديث بطريق التواتر قليل ، بل أقل من القليل ، ثم إنّ إخبار هؤلاء غيرهم أن الحديث الفلاني متواتر لا يفيد العلم ، لأنّ خبر هذا العالم خبر آحاد .
8- هذا القول يقتضي ترك العمل بأحاديث الآحاد التي فيها عقيدة وعمل ، لأنّ عدم الأخذ بها في العقائد ردّ لها ، فكيف يؤخذ بها في الأحكام ؟!
9- لم يتفق الأصوليون على هذا القول – كما زعم الشيخ شلتوت – وقد نص الإمام مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي وأصحابه كابن حزم على أن خبر الواحد يفيد العلم ، ونص عليه الحسين بن علي الكرابيسي والحارث بن أسد المحاسبي والقاضي أبو يعلى من الحنابلة .
--------------------------------
(1) صحيح البخاري : 2/110 ، ورقمه : 627 ، ورواه مسلم : 1/465 ورقمه : 674 ، واللفظ للبخاري .
(2) صحيح مسلم : 4/1888 ، ورقمه : 2419 ، والذي في البخاري أنه أرسله إلى أهل نجران ، صحيح البخاري : 7/93 ، ورقمه : 3745 ، 13/232 ، ورقمه : 7254 .
(3) الرسالة ، الشافعي : 412 .