الجمعة، 22 فبراير 2013

لتحيا اللغة العربية....ويسقط سيبويه


لتحيا اللغة العربية ....ويسقط سيبويه









مراد حميد عبدالله

قد تستغرب عزيزي القارئ كثيرا من العنوان ، لكن هذا هو ما وصل اليه المثقفون في عصر العولمة ، والتعنصر للغرب ، فهذا العنوان الذي اثار حفيظتك هو عنوان كتاب لاحد الكتّاب والمثقفين المصريين الذين ينادون بالتحرر اللغوي والخروج من التشرنق العربي المقيت الذي جعل اللغة العربية في درك الحضيض ، فالكاتب شخصية مرموقة داخل المشهد السياسي والثقافي في الوقت نفسه ( شريف الشوباشي) الذي يشغل الان منصب وكيل وزير الثقافة المصرية وصدر الكتاب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .
ان كتاب ( لتحيا العربية ...ويسقط سيبويه) يتالف من 195 صفحة يتوزع على مقدمة وعشرة فصول ، اذ ضمن المؤلف المقدمة الدوافع التي دعته الى تاليف الكتاب وقد اجملها في ثلاثة اسباب تشمل :
•1- موقف مطبوعة ( الالمناك )، وهي مطبوعة سنوية تحمل المعلومات الاساسية في المجالات كافة ، وآخر الاحصائيات العالمية التي قررت ان اللغة العربية لم تعد قائمة بذاتها ، اي كونها لغة غير مستعملة ، بل ان لغة التخاطب اليومية والتفاهم هي ((اللهجات المصرية والسورية والمغربية)) اي اللغات العامية لهذه الدول ، بينما امست اللغة العربية مجرد لغة تستعمل لقراءة الكتب والمراجع فقط ، ولو استطاعوا صياغة لغة الكتب وفق اللهجات العامية لفعلوا ، ثم يصحو الكاتب من غفوته لينتفض معلقا على مطبوعة الالمناك بقوله ((من الممكن ان يكون اول رد فعل لنا ان ننتفض صائحين هيهات ... موتوا بغيضكم ايها الحاقدون... والله هذا لن يكون ابدا)) ، ثم يستدرك بقوله (( وانا اقول ان شاء الله هذا لن يكون ، ولكن هذا لا يكفي ، فهذه المطبوعة تعد من المطبوعات الجادة التي يعتد بها العالم وان كانت لا تخلو من الاغراض الخبيثة وخاصة حيال الاسلام والعرب))موقف متناقض للكاتب ، ولما يعد هذه المطبوعة من المطبوعات التي تحارب الاسلام والعرب فلماذا استشهد بها ؟ ونحن لا نستبعد ان تكون هذه المطبوعة صادرة عن الصهيونية العالمية وهدفها الانتقاص من الاسلام والعرب .
•2- ((تدريس بعض الجامعات ومعاهد اللغة( اللهجات العامية ) في اوربا وغيرها عوضا عن العربية فضلا عن اعتماد مراكز تعليم اللغة في البلدان العربية الشيء نفسه مع الاجانب المبتدئين في تعلم لغتنا )) ان العربية بعدما حطت رحالها في لغة اقرها القران وحافظ عليها لماذا تاتي الدعوات الى ان نحيد عنها بحجة اتباع اللهجات ((والعرب قديما كانوا يعتمدون على اللهجات في كلامهم وقليلا ما يتكلمون اللغة المشتركة ؟))لكن ما لايعرفه الكاتب ان اللهجات كانت فصيحة وليست عامية كما هي اليوم، والاختلاف كان لاسباب فنية تتعلق بالشكل، هذا من جانب ، اما الجانب الاخر، فانا لا نيقن ان جامعات العالم الغربي مثل جامعة لندن اوجامعة السربون او غيرها، تقوم بتدريس اللغة العربية باستعمال اللهجات المصرية والسورية والمغربية(اللغات العامية)، وان سلمنا بهذا القول فان هذه الجامعات والمعاهد على اية لهجة ستستند في تدريسها، او ايها افصح من الاخرى(السورية المصرية المغربية) فهذا هو ما كان متبع عند العرب ،في حين ان دول المغرب العربي تغلب على السنتها اللغة الفرنسية حتى تكاد ان تكون اللهجة الرسمية ، لكن كلامه قد يكون صحيحا لان بعض الباحثين والاكاديمين المصريين يستعملون اللغة العامية في تدريسهم وقد سأموا من القواعد المقيتة التي لم ولن يتقونها،لذا اعتمدوا اللغة العامية لغة للتدريس والتعليم في المعاهد والجامعات ، فالكاتب - هنا- قد انطلق من قاعدة رخوة جدا مستندا على نموذج بسيط ومحدود ومعمما اياه على العالم اجمع ، وهذا لا يمكن، فالعربية لها جذور وتاريخ وهي اقوى من هذه الحملات الواهنة .
•3- يقول (( بعض المحاولات الجادة لتقعيد اللهجات العربية حتى تصير بمثابة لغات كاملة الاركان لها قواعد النحو والصرف الخاصة بها ))لا نعرف ما الذي يقصد به الكاتب ببعض المحاولات فانا لم اجد كتابا صدر يطالب بانفصال لهجة معينة، او يدرس نحو او صرف لهجة معينة، او وضع لها قواعد ، لا من علماء اللغة المغاربة او السوريين او المصريين فلو قلنا ان اللهجة المصرية اصبحت اللغة الرسمية فقواعدها بم ستختلف؟ هل ستنصب الفاعل مثلا ؟ هل سترفع المجرور ؟ هل ستلغي احكام الاستثناء ؟ ولعل الشيء الذي يثير الاستغراب ان الكاتب يدّعي احتضار العربية ، وان هذا الاحتضار ليس وليد اللحظة بل هو قديم قدم اللغة ، فاللهجات قديمة وليست حديثة العهد((واللغة العربية الفصحى التي يرمز اليها بـ(لغة سيبويه) لم تكن لغة التفاهم والتعامل اليومي بل اقتصرت على اقتراض الشعر))في حين يستدرك بقوله(( الا في فترة قصيرة ورقعة جغرافية محدودة بالجزيرة العربية )) ثم يتساءل وبرود تام (( ما الذي استجد حتى ننزعج اليوم من اقتحام اللهجات لحيز التعامل اللغوي بين العرب ))فالكاتب قد اغفل شيئا مهما الا وهو عامل الاختلاط اذ لم يعتد بلغة القبائل التي خالطت السنتها، واعتمدت على لهجات قلب الصحراء ، في حين ان اللهجات اليوم عبارة عن امزجة بين العربية والانكليزية والفرنسية فكيف سيضع نحوا وصرفا للهجة قد خالطتها العجمة ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر، لماذا لا يدعو الكاتب الى ظهور لغة مشتركة تجمع بين هذه اللغات وليسميها (لغة العولمة) في وقت ينادي بانه يعيش في عصر العولمة ، التي تعنى بذوبان الحدود بين الدول وهيمنة ثقافة واحدة على العالم وانكماش مقومات ثقافات الآخر .



الخطأ في نظرتنا للغة
يذهب الكاتب في قوله (( لكل من يتعذب من جراء تعلم اللغة او يشعر بعقدة نقص لعدم اجادته العربية لا تقلقوا ... فالعيب ليس فيكم ، ولكنه في اللغة التي لم تشملها سنة التطوير )) ثم يضيف قائلا ((انا اعتبر ان اللغة هي احد عناصر تخلف العالم العربي وان تحجر البعض في تناول قضية اللغة من اسباب عملية اجهاض النهضة))فالكاتب بهذه الدعوة يُقرر بان اللغة العربية لغة معقدة ، وهي عقوبة يحكم بها على من يخالف القوانين فلا يشعر بالاحباط كل من لم يتقن اللغةالعربية لان العيب ليس في شخص الفرد بل العيب في اللغة كونها لغة قديمة لا تواكب التطور ، في حين يقرر بعد ذلك ان اساس تخلف الوطن العربي باكمله اللغة العربية والتكلم بها ، ولا ادري ان كان العالم العربي جميعه متخلف، اذن كيف برز العلماء والادباء والباحثون من هذا العالم المتخلف ، اليس طه حسين عميد الادب العربي يتكلم العربية فهل هو متخلف ؟ ثم لا ادري ما هي المعايير التي اعتمدها في الحكم على اللغة بالتخلف ؟ وما هي معايير التخلف عنده ؟ اليس من التخلف ان نتخلى عن تراثنا وتاريخنا وحضارتنا ؟ أما حالة التحجر التي يعيشها العربي فهي حالة لا وجود لها الا عند العربي ، فعندما نسمع (عربيا) اذن متحجر ومتخلف لنهضة بلده، ثم يحاول الكاتب ان يخفف من حدة هجومه فيقول (( بعيد عن ذهني تماما هجر اللغة العربية لحساب اللهجات العامية ، فاللغة العربية لغة التراث ، ولجميع الشعوب القديمة ولهذه الحيثيات لا يمكنني ان اقف مع الداعين لهدم العربية لكنني اطالب باعادة النظر في القواعد الاساسية للغتنا)) فالكاتب اراد ان يخفف من حدة هجومه باستدراكه الذي يعد اخطر من حكمه بالتخلف، فهذه الدعوة عبارة عن نسف تراث باكمله ، فهل يقبل الكاتب ان تمس حضارته الفرعونية ؟ لا اعتقد انه سيسمح لشخص بمس هذه الحضارة ولو بكلمة ، اما تغيير قواعد النحو العربي لاجل ثلة يعدون انفسهم محافظين على اللغة ، وهذا برمته نسف لحضارة العرب عموما والاسلام ثانيا(حتى لا اتهم بالتعصب للدين).

هل هناك لغة عالمية
هذا هو عنوان الفصل الثاني الذي يحاول الكاتب بوساطته الاجابة عن سؤال مفاده : هل هناك لغة عالمية ؟ وفقا لاستنتاجات الكاتب يقرر بعد بحثه في التاريخ ان الاهمية التي تحظى بها اللغة العربية انعكاس لقوة الدولة ،او الحضارة التي يستعملها ، فعلى الرغم من الهيمنة التي تحظى بها اللغة الانكليزية او بمعنى ادق (اللغة الامريكية)فاننا لا نستطيع ان نقول انها لغة عالمية يفهمها الناس في العالم ، لكن عدد من يجيدون الانكليزية في العالم لا يمكن معرفته بدقة ، بيد ان التقدير الجزافي هو مليار انسان يعيشون في العالم والفضل في ذلك يرجع الى هيمنة الولايات المتحدة الامريكية التي اتخذت اللغة الانكليزية لغة رسمية منذ انشائها في عام 1776م ،فهيمنت اللغة الانكليزية على الندوات واللقاءات الدولية ، ويرجح الكاتب ، ان هذه الهيمنة والنجاح الذي حققته اللغة الانكليزية لا يعزى فقط للهيمنة الامريكية ، وانما يعزى الى السهولة الشديدة في قواعد اللغة ، فقد نجح علماء النحو الانكليزي الى غربلة اللغة وازالة شوائبها ،وهذه دعوة مبطنة من اجل تصفية اللغة العربية من شوائبها وغربلتها حتى تكون سهلة طيعه له ولامثاله الذين هيمنت عليهم الافكار الاستعمارية، والذي يدعو اليه الباحث ليس افكارا عربية بحتة اصيلة انما لها جذور استعمارية صهيونية من اجل هدم اصالة اقدم لغة في العالم ومن ثم اضعاف الاسلام بنحو عام.

رسالة الى حراس الضاد
اما الفصل الثالث حمل في طياته تهديدات مبطنة الى علماء اللغة والمحافظين وعدهم اكبر خطر يواجه اللغة العربية مسميا اياهم بـ( انصار التجميد ورفض التجديد) ، ولم يكتف بذلك بل اراد احداث فجوة بين صفوف علماء اللغة ، مقررا ان اللغة بحاجة الى انتفاضة وثورة ، فيقول (( فلغتنا في حاجة الى انتفاضة تحديثية عاجلة ... والا فانها قد تتعرض لخطر التقوقع وربما الاختفاء لا قدر الله ، فالعربية هي اللغة الحية الوحيدة التي لم يطرأ على قواعدها الاساسية اي تعديل منذ اكثر من خمسة عشر قرنا)) ثم يصور العقل العربي بانه لم يتطور ان لم يجنح للتطور معتمدا في ذلك على قوله(( ولان اللغة هي انعكاس لاحتياجات المجتمع في التفاهم والتعامل فلا يعقل ان تكون احتياجات المجتمع العربي الان مماثلة لاحتياجات سكان البادية قبل ظهور الاسلام )) فهل يعقل لنا اننا نفكر الان مثل البدو قبل الاسلام؟ هذا التاويل يحتاج الى اعادة نظر من الكاتب ، فمعناه الحرفي ان العرب اليوم عبارة عن اصنام او احجار لم تتطور معتمدا على نظرة العالم الغربي للعربي بانه بدوي يعيش في الصحراء ولا يعرف الحياة الحديثة ولهذا قُرر ان العربي اليوم صورة للعربي في عصور الجاهلية،وهذا غير صحيح ،فلولا العربية لما استطاع هذا الكاتب ان يصبح (وكيل وزارة) .

هل العربية لغة مقدسة
يحاول الكاتب في الفصل الرابع ان يدلل على ان اللغة العربية ليست لغة مقدسة على الرغم من انها تدين باستمرارها ووجودها الى القران ....اليس هذا سببا كافيا لنجعل من اللغة العربية لغة مقدسة لان الله اصطفاها على باقي اللغات التي كانت منتشرة آنذاك ، وانزل بها لغة القران الذي يعد دستور الحياة جميعا ؟ في حين يذهب بعض اخر الى ان نزول القران باللغة العربية قد اثر سلبا عليها ، لان النظر الى العربية على انها لغة مقدسة كان سبب جمودها وتحنيطها ، فيدعو الكاتب في هذا الفصل الى ان نتعامل مع اللغة كما يتعامل بقية البشر مع لغاتهم ونتخلى عن فكرة كون العربية لغة القران.

المسيحيون والاسلام
حاول الكاتب في الفصل الخامس ان يقضي على قدسية العربية بوساطة ابراز دور المسيح في خدمة العربية وتطويرها ، ابتداءا من الحقبة السابقة للبعثة ، حتى العصر الحديث ،وفي كل المجالات ، بتدءا من نشاة الكتابة الى الادب والترجمة الى الطباعة والصحافة ، ولا ادري ماالذي يصبو اليه الكاتب عبر تصليب اللغة العربية وتشويهها والطعن باصالتها وطمس معالمها .

المتنبي يخاف من الاعراب
اما الفصل السادس فجاء تحت عنوان ( المتنبي يخطئ في الاعراب ) فكانت هذه النقطة هي التي ركز عليها الكتاب والح عليها ، فبدأ الفصل بايراد الاسباب التي تجعل العرب يعشقون لغتهم واجملها بما ياتي :-
•1- اللغة التي نزل بها القران .
•2- اللغة التي خلّف بها السلف تراثا عظيمة .
•3- لغة جميلة تتميز بموسيقية تلقائية تطرب الاذان .
•4- لغة اشتقاقية لها مرونة وسهولة في استخراج الكلمات والتراكيب الجديدة .
هذه جملة من الاسباب التي تدعو العربي الى ان يعتز بعربيته فلا نجد فيها اية مبالغة او مجاملة للغتنا او تعصب لها لكنه يتساءل بنحو غريب فيقول (( من المفروض ان هذه المقدمات تؤدي الى نتيجة ايجابية،وهي تمسك العرب بالتعامل بهذه اللغة،ورفضهم لاي وسيلة اخرى للتعبير عن انفسهم لكن الواقع اننا هجرناها في تعاملاتنا اليومية ... والسبب في ذلك يعود الى صعوبة العربية وتعقيدها ، فالفصحى لا تلائم مقتضيات التفاهم ونقل المعلومات وتفسير حقائق العالم ...وعندما شعر العرب بذلك استبدلوا العاميات بها )) السؤال الذي يثار هنا هو : من استبدل اللغة العامية باللغة الفصحى ؟ اليست هذه الدعوات الى الاستبدال متأصلة في الباحثين المصريين عموما ابتداءا من الدعوات الى استبدال شكل الكتابة الافقية الى العمودية وانتهاءا بهذه الدعوة ، ثم يستنتج اشياء لا اظن انها تؤول كما صورها فاستعمال اللهجات ليس وليد الحاضر بل هو قديم ، ويستشهد بقول المتنبي :

وكلمة في طريقي خفت اعربها فيهتدي الي فلم اقدر على اللحن
فالمتنبي يقول انه خاف ان ينطق بلغة عربية سليمة اثناء مطاردته خوفا من ان يكتشف الناس هويته وهذا يدل على ان النطق بلغة سليمة يدل على ان المتكلم شخص غير عادي وخارق للعادة فالنطق الخطأ هو القاعدة ومن لا يخطأ هو الاستثناء )) فلماذا لا يفسر على ان المتنبي دخل ارضا اجنبية لا يسكنها العرب فخاف من استعمال العربية الفصحى ، فذاك تاؤيل ضعيف .

شيزوفرينيا لغوية
ياتي الفصل السابع من الكتاب ليبرز حالة الازدواجية اللغوية التي يعيشها العالم العربي وخطورتها فيقرر ان اللغة العربية مصابه بمرض الشيزوفرينيا فيقول: (( ان حالة الشيزوفرينيا اللغوية في الماضي كانت مقصورة على شريحة القادرين على القراءة والكتابة وهي شريحة محدودة في المجتمعات العربية القديمة بينما هذه الحالة اتسعت مع انتشار التعليم وهي تكلف العقل العربي ارهاقا ذهنيا يحط من قدراته ، كما تشتت من ملكاته الفكرية ، فالعربي مهدد بانفصام في التفكير : هل يفكر بالفصحى ام بالعامية ؟ وكالعادة يرجع الكاتب السبب في هذه الحالة الى صعوبة اللغة العربية وقواعدها .


اللغة بين العامية والتحنيط
ويحمل الفصل الثامن عنوان (غاية اللغة وفيه يؤكد ) الكاتب على ان اللغة وسيلة وليست غاية في حين يقرر ان المجتمعات العربية تشذ عن هذه القاعدة ، ويعد اللغة غاية تنشد في حد ذاتها ، فالعربي عاشق اللغة ومتيم بها لذاتها ليس لمجرد نقل المعلومات والتفاهم مع الاخرين ، ثم يحلل مضمون العربية ويتهم العقل العربي بانه يفهم اللغة على انها لغة شكلية تركز على الشكل فقط ولا تهتم بالمضمون !! فيقول: (( فاللغة العربية هي السبب في جعل العقلية العربية تركز على الشكل وتترك الجوهر وتميل الى المبالغات والكلام البعيد عن الواقع وانها السبب في نشر ثقافة الاذن والثاتر بالشائعات، وانها نشرت فلسفة اللف والدوران والالتواء في المجتمع بواسطة بلاغتها ، وتسبب في عدم اهتمامنا بالوقت لسذاجة الزمن فيها..)) ولا ادري على اي شيء استند الكاتب حتى يقدم جملة الاتهامات التي تهدم فيها بلاغة اللغة العربية وجمالها وادبها برمته ؟
اما الفصل التاسع فكان بعنوان ((ضد تحنيط العربية )) ويؤكد على ضرورة تطوير اللغة وخطورة تحنيطها ثم يقر (( ان تاريخ الفكر العربي زاخر بمحاولات التجديد والتطوير، لكنها كانت دائما تجد من يتصدى لها ويجنح في اجهاضها والدليل على ذلك انتصار مدرسة الكوفة على منطق مدرسة البصرة التي تعمل العقل فلو سلمنا بان اللغة لا تراقب عملية التجديد والتطوير وان اي لفظ يخطر ببال كاتب فانه سيتكلم به ويدخل في اللغة ، عندها سيتحقق ما يريده الكاتب وستنطمر العربية الفصحى وتحل محلها العربية المجددة التي تطالب بالحرية التامة ومن دون رقيب ، لكن ما لا تعيه ان هؤلاء المحافظون في كل زمان هم من حافظ لنا على اللغة ووفر لها الحماية من عبث العابثين ، فلا نستغرب ان يكون التجديد وفق اقيسة العربية واوزانها حتى لا نفتح الباب على مصراعيه للعابثين بالتراث ان يتلاعبوا به كما يحلوا لهم ، ويختم فصله بدعوة غريبة تتناقض تماما مع ما دعا اليه في فصول الكتاب فيقول : ((ادعوا الى التطوير بشرط الحفاظ على اللغة الفصحى وعدم استبدال اللهجات بها او عدم القضاء على اسس اللغة لان هذا يقطعنا عن تراثنا وثقافتنا ، ثم يدعو الكاتب النحاة والقائمين على اللغة لاعادة النظر في بعض موضوعات النحو وذلك لصعوبة فهمها واستيعابها من لدن المتعلم ومن اهمها :
•1- ان الكلمة تاخذ معناها من التشكيل وليس من موقعها في الجملة .
•2- النقص الغريب في حروف العلة .
•3- الوجوه الكثيرة لنطق الكلمة .
•4- الارقام واختلاف صورها .
•5- المفعول به .
•6- المثنى .
•7- جمع المؤنث السالم وتصريف الفعل الناتج عنه .
•8- كثرة المترادفات في اللغة العربية .
•9- التعدد المفرط لمعاني اللفظ الواحد.
ثم يختم دعوته هذه بقوله ((ان مثل هذا الانفصام لا يمكن ان يدوم الى الابد واخشى ما اخشاه ان تاتي بحلول جذرية تفصل بيننا وبين تراثنا ويكون حراس الضاد قد وصلوا الى عكس مقصدهم )) وكاننا نلمس في كلامه تهديدا مبطنا ان لم نذعن لمطالب من هم وراءه سوف ينسفون التراث باجمعه وبما فيهم اللغة التي يتمسكون بها ، لكن ما لايعيه الكاتب ان التراث العربي واللغة العربية امتن واقوى من هذه الدعوات لانها اولا لغة القران التي حفظها الله سبحانه وثانيا لها من الادب ما لا يستطيع الكاتب ولا اتباعه ان ينسفوه وكذا التراث الضخم الذي نتج عنها فليس من السهولة اقتلاع شجرة جذرها ممتد في اغوار الارض .

الاستثناء العربي
ومع الفصل العاشر يصل الكاتب الى بنا الى نهاية المطاف ليخرج باستنتاج مفاده ان قضية الاصلاح ينبغي ان تشمل نواحي اللغة كلها دون استثناء ، ثم يشبه ذلك بتشبيه غريب فيقول: (( مثل العربي الذي يذهب الى طبيب غربي فيعطيه الطبيب دواءا مناسبا لحالته ، فيعترض المريض قائلا : هذا الدواء ينفع بلدك لكنه لا ينفعني لاني عربي ...للاسف نجد مواقف مشابهة لذلك العبثي عندما نرفض افكارا واردة من الخارج بادعاء انها تتناقض مع ثقافتنا وديننا .. واذا اقتصرنا على مجال اللغة فان التيار الغالب عندنا يقول كل لغات العالم قابلة للتطوير والاصلاح الا لغتنا العربية )) ولا ادري، اليس للنظريات الغربية اللغوية المترجمة مكانا بارزا بين الدراسات العربية؟ اليست النظريات الادبية الغربية مكانا مرموقا في لغتنا العربية ؟ و انني لم اصادف احدا ، رفض التوليدية او السياقية او السلوكية ، اليست هذه نظريات غربية ، لا ادري ما لهذا الرجل يتكلم وكانه لم يقرأ في مجاله ابدا ، اليس الدكتور احمد مختار عمر من زاوج بين النظريات الغربية والعربية في مجال الاصوات وكذا الدكتور تمام حسان ، ويختتم الكتاب بقول جميل ((اعلم ان الافكار الواردة بهذا الكتاب ستكون بمثابة خدمة لبعض الذين اعتادوا السير في الطرق المعبدة التي مهدها السلف منذ قرون طويله ويسير عليها كل من جاء بعدهم في حالة استكانه عقلية غريبة ))اظن ان الكاتب من خلال تاليفه الكتاب يدعو من يناصره الى تعبيد الطريق من جديد بعدما شعر وبعد مضي سنوات عمره هباءا اما لفشله الفكري او لمرض نفسي اراد بهذه المحاولة ان يخرج بنفسه الى الساحة اللغوية والادبية المصرية التي طالما زخرت برجالات ومفكرين لهم باع طويل في البحث العلمي وقد حصل على مراده ، لكن ليس بالنجاح ، وانما بدخول الدرك الاسفل من التاريخ .
وعليه فان اللغة وعلى الرغم من الحملات الشعوبية المستمرة عليها منذ العصور المتقدمة ولغاية هذه الدعوة انما هي هواء في شبك لن تسفر حتى في خدش او شرخ بسيط في جدارها المتين لان للعربية جذورا عبر التاريخ دونت ايام العرب ، لذلك ستبقى العربية الفصحى لغتنا الاصيلة وسنحافظ عليها من براثن الصهيونية ومخالب الشعوبية .