السبت، 9 فبراير 2013

محبة الخالق ضرورة



تأملت في قوله تعالى : [ يحبهم ويحبون ] . فإذا النفس تأبى إثبات محبة للخالق توجب قلقًا وقالت : محبته طاعته،فتدبرت ذلك فإذا بها قد جهلت ذلك لغلبة الحس. وبيان هذا أن محبة الحس لا تتعدى الصور الذاتية، ومحبة العلموالعمل ترى الصور المعنوية فتحبها. فإنا نرى خلقًا يحبون أبا بكر رضي الله عنه، وخلقًا يحبون عليًا بن أبي طالب رضي الله عنه، وقومًا يتعصبون لأحمد بن حنبل، وقوما للأشعري فيقتتلون ويبذلون النفوس في ذلك. وليسوا ممن رأى صور القوم،ولا صور القوم توجب المحبة. لكن لما تصورت لهم المعاني فدلتهم على كمال القوم في العلوم، وقع الحب لتلك الصور التي شوهدت بأعين البصائر. فكيف بمن صنع تلك الصور المعنوية وبذلها؟وكيف لا أحب من وهب لي ملذوذات حسي، وعرقى ملذوذات علمي؟ فإن التذاذي بالعلم وإدراك العلوم أولى من جميع اللذات الحسية، فهو الذي علمني وخلق لي إدراكًا، وهداني إلى ما أدركته. ثم إنه يتجلى لي في كل لحظة في مخلوق جديد، أراه فيه بإتقان ذلك الصنع وحسن ذلك المصنوع. فكل محبوباتي منه، وعنه، وبه، الحسية والمعنوية، وتسهيل سبل الإدراك به، والمدركات منه، وألذ من كل لذة عرفاني له، فلولا تعليمه ما عرفته. وكيف لا أحب من أنا به، وبقائي منه، وتدبيري بيده، ورجوعي إليه، وكل مستحسن محبوب هو صنعه وحسنه وزينه وعطف النفوس إليه.
فذلك الكامل القدرة أحسن من المقدور، والعجيب الصنعة أكمل من المصنوع،
ومعنى الإدراك أحلى عرفانًا من المدرك.


صيد الخاطر