الخميس، 20 ديسمبر 2012

حكم تارك الصلاة

إن تارك الصلاة لا يخلو من حالين:
  • الحال الأولى: أن يتركها جاحدا لوجوبها
    فهذا كافر بإجماع المسلمين، حتى لو صلى وهو جاحد لوجوبها فهو كافر، ويستثنى من ذلك من كان حديث عهد بكفر وجحد وجوبها فإنه لا يكفر حتى يرتفع عنه الجهل.[انظر المجموع (3/14) وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (10/434) و (20/98،97) والعدة شرح العمدة ص (70)].

  • الحال الثانية: أن يتركها تهاونا وكسلا، فهذه التي فيها الخلاف:
    • القول الأول: أنه لا يكفر، وبه قال جماعة من أهل العلم، منهم أبو حنيفة وأصحابه، ومالك وجماعة من أهل الكوفة، وسفيان الثوري، والمزني (صاحب الشافعي)، ونسبه بعضهم إلى الجمهور.[انظر المجموع (3/15) ومقدمات ابن رشد (1/25)].
      واستدلوا:
      1. حديث عبادة بن الصامت قال النبي - صلى الله عليه وسلم -"خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة من حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة" رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد.
      ووجه الدلالة: أنه جعل غير المحافظ تحت المشيئة وهذا دليل على أنه لا يكفر لأن الكافر لا يكون تحت المشيئة.

      • ونوقش هذا الاستدلال: بأن الحديث في بيان غير المحافظ على الصلوات لا التارك لها فلا يصح الاستدلال به.

      2. استدلوا بعموم الأدلة في دخول من (قال لا إله إلا الله) الجنة كقوله تعالى:{ ‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } وحديث أبي ذر قال النبي - -" ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا ودخل الجنة" متفق عليه، وحديث أنس قال النبي - صلى الله عليه وسلم -" ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار" متفق عليه، ولهم أدلة أخرى نحو هذه العمومات.
      • ونوقشت: بأنها من الأدلة العامة المخصوصة بكفر تارك الصلاة كما سيأتي.

    • والقول الثاني: أنه يكفر، وهي الرواية المشهورة عن الإمام أحمد وهو ما نص عليه جماهير أصحابه، وهو أحد قولي الشافعي كما ذكر ابن القيم.[انظر الإنصاف (1/403) وطبقات الحنابلة (1/27)].
      واستدلوا:
      1. بقوله تعالى: { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ }
      • ووجه الدلالة: أن الآية دلت على أنهم إذا تابوا من الشرك، ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا بإخوة لنا، ولا يمكن نفي الأخوة إلا بخروج الإنسان من الدين كله، ويستثنى من الآية تارك الزكاة فلا يكفر بتركه الزكاة تهاونا على الصحيح لحديث أبي هريرة مرفوعا: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره... ثم يرى سبيله إما إلى الجنة أو النار" رواه مسلم، ولو كان يكفر بترك الزكاة لم يكن له سبيل إلى الجنة.

      2. حديث الباب:" إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاَةِ "
      ووجه الدلالة: أن النبي - -جعل الصلاة فيصل بين بقاء العبد على إسلامه وبين خروجه إلى الشرك والكفر.
      • ونوقش هذا الاستدلال: بأن الكفر المراد في الحديث ليس الكفر المخرج من الملة وإنما هو كفر دون كفر كالأحاديث السابقة حديث أبي هريرة " اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت" رواه مسلم، وحديث ابن مسعود "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" متفق عليه ونحوهما من الأحاديث التي يقطع بأن المراد بالكفر فيها ليس هو المخرج من ملة الإسلام وكذلك يقال في حديث الباب.
      • وردَّت هذه المناقشة: بأن حمل الحديث على كفر دون كفر ضعيف , لأربعة وجوه :
        • أولا: وجود الفارق بين اللفظين ففرق بين لفظ (كفر) كالأحاديث السابقة، ولفظ (الكفر) الذي في حديث الباب، فقد جاء معرَّفا بـ(أل) التي تفيد حقيقة الكفر، بخلاف (كفر) التي تفيد أن هذا العمل كفر ولا يُعدُّ صاحبه كافرا حتى تقوم حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام بشعبة من شعب الإيمان يصير بها مؤمنا حتى يقوم به حقيقة الإيمان، وبنحو هذا أشار شيخ الإسلام ابن تيمية. [انظر اقتضاء الصراط المستقيم (1/208)].

        • ثانيا: أن الصلاة ركن من أركان الدين، وبناء عليه فوصف تاركها بالكفر يقتضي أنه الكفر المخرج من الملة، لأنه هدم لركن من أركان الدين، بخلاف إطلاق الكفر على من فعل فعلا من أفعال الكفار.

        • ثالثا: أن النبي - -جعل الصلاة في حديث الباب حدا فاصلا بين الكفر والإيمان وهذا يمنع من حمل اللفظ على كفر دون كفر، ويؤيد ذلك:
          •  لفظ الترمذي حيث قال النبي - -" بين الكفر والإيمان ترك الصلاة".
          • وعند أبي يعلى بلفظ:" ليس بين العبد وبين تركه الإيمان إلا تركه الصلاة".

        • رابعا: أن النبي - -عطف الكفر على الشرك، لتأكيد كونه كفرا مخرجا من الملة.

      3. حديث بريدة قال النبي - -" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

      4. حديث أم سلمة أن النبي - -قال:" سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا: أَفَلَا
      نُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا " رواه مسلم، وفي حديث عوف بن مالك أفلا ننابذهم؟ قال: " لا ما أقاموا فيكم الصلاة" رواه مسلم، وفي حديث عبادة: وأن لا ننازع الأمر أهله، قال:" إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان" متفق عليه.
      • ووجه الدلالة من هذه الأحاديث:
        • أن فيها منابذة الولاة بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة، ومعلوم أنه لا يجوز قتال الولاة إلا إذا أتوا بكفر صريح عندنا فيه من الله برهان كما في حديث عبادة، وهذا يدل على أن ترك الصلاة من الكفر الصريح الذي فيه برهان لأنه أجاز قتالهم بترك الصلاة.

      5. حديث عبد الله بن عمرو: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: " من حافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بها، كنَّ له نورا ونجاة وبرهانا يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم تكن له نورا ولا نجاة ولا برهانا يوم القيامة، وحُشر مع فرعون وهامان وقارون وأُبي بن خلف" رواه أحمد وابن حبان والطبراني.
      ووجه الدلالة: أن انتفاء النور والبرهان والنجاة، وكونه مع فرعون وهامان وقارون وأُبي بن خلف يوم القيامة كل هذا من أوضح الدلالة على الكفر بترك الصلاة.

      6. حكم الصحابة على كفر تارك الصلاة فهو مروي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمرو - -، بل روي ذلك عن ستة عشر صحابيا، أصحها ما جاء عن الصحابة بذلك هو ما جاء عن عمر - - ، وهو مارواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال:"لمَّا طُعن عمر احتملته أنا ونفر من الأنصار حتى أدخلناه منزله، فلم يزل في غشية واحدة حتى أسفر، فقال رجل: إنكم لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة، قال: فقلنا: الصلاة يا أمير المؤمنين، قال: ففتح عينيه ثم قال: أصلى الناس؟ قلنا نعم، قال: أما إنه لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثعب دما"

      7. ما نُقل من إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة ومن ذلك ما قال عبد الله بن شقيق العُقيلي حيث قال:"ما كان أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة" رواه الترمذي، ولا يوجد نص عن أحد من الصحابة يقول بعدم كفر تارك الصلاة، فإن كان هناك خلاف فإنما نشأ من بعدهم.

      8. أن القول بكفر تارك الصلاة هو قول جمهور التابعين بل حُكي الإجماع عنهم، كما روى ذلك محمد بن نصر المروزي من حديث حماد بن يزيد، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني أنه قال:"ترك الصلاة كفر لا نختلف فيه". [انظر تعظيم قدر الصلاة للمروزي (978)] والصواب أنه ذهب إلى عدم كفر تارك الصلاة جماعة قليلون منهم: محمد بن شهاب الزهري، وحماد بن يزيد، ولكن جمهورهم على كفر تاركها.

وهذا القول، أعني القول بتكفير تارك الصلاة تهاونا وكسلا، هو الأظهر والله أعلم لقوة الأدلة في هذا وصراحتها ويكفي منها حديث الباب وإجماع الصحابة.
وليُعلم أن المقصود بتارك الصلاة هو تاركها بالكلية وهذه هي الحال الأولى.

الحال الثانية: من يترك بعضها بأن يصلي أحيانا ويترك أحيانا
فمثل هذا لا نكفره على الصحيح خلافا لمن قال بل نجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة، فلئن كان المنافق المحض تجري عليه أحكام الإسلام فإن هؤلاء أولى وأحرى ولا نكفرهم بهذا الفعل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال:" بين الرجل و بين الشرك والكفر ترك الصلاة" ولم يقل (ترك صلاة) الذي يشعر بأن ترك أي صلاة يكفر بها لكن اللفظ لم يكن كذلك وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية. [انظر مجموع الفتاوى (22/49)].

الحال الثالثة: أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها المشترك كالظهرين والعشائين أو فوَّت الفجر حتى تطلع الشمس، فلو أخر الظهر حتى خرج وقت العصر، أو أخر المغرب حتى خرج وقت العشاء.
فمن أهل العلم من قال إنه يكفر، ومنهم من قال لا يكفر إلا بترك الصلاة دائما وهو الأظهر والله أعلم لما تقدم من لفظ الحديث حيث قال (الصلاة) ولم يقل (من ترك صلاة).

الحال الرابعة: أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها إلى وقت الصلاة التي تليها، كأن يؤخر الظهر حتى يخرج وقتها ويدخل وقت العصر، أو يؤخر الفجر حتى تطلع الشمس.
فمن أهل العلم من قال إنه يكفر، ومنهم من قال لا يكفر إلا بترك الصلاة دائما وهو الأظهر والله أعلم لما تقدم بيانه، وأيضا لقول النبي - -"سيكون أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة" رواه مسلم.
وتقدم في حديث أم سلمة أنهم قالوا:"أفلا نقاتلهم؟ قال:لا ما صلوا".
  • ووجه الدلالة: أن الأمراء حفظ النبي - -دماءهم لأنهم يصلون، مع تضييعهم لوقتها بتأخيرها وفي هذا دلالة على أنهم لا يكفرون إذ لو كفروا لأذن بقتالهم.
    إلا أن مؤخر الصلاة عن وقتها بغير عذر لا شك في فسقه وأن عليه إثم عظيم.

وأما حديث "من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه الذمة" رواه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجة والبيهقي وهو حديث ضعيف فيه شهر بن حوشب، قال ابن حجر:"في إسناده ضعف" وقواه بعضهم لشواهده. [انظر التلخيص الجيد رقم (810) والأماني المطلقة ص (70) لابن حجر].
 
واختلفوا هل يقضيها إن أخرها من غير عذر حتى خرج وقتها؟ على قولين:
  • القول الأول: أنه يقضيها وهو قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة كما ذكر ابن القيم. [انظر كتاب الصلاة ص (72)].
    واستدلوا:
    • 1. بعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -" فدين الله أحق أن يقضى" متفق عليه والحديث مساق في قضاء الصيام، لكن قالوا يدخل في عمومه قضاء الصلاة أيضا.
    • 2. قالوا: لئن كان القضاء واجبا على المعذور كالنائم والناسي، فغير المعذور المفرط من باب أولى وأحرى.

  • والقول الثاني: أن من أخَّر الصلاة لغير عذر لا يقضيها ولو قضاها فإنها لا تقبل منه وهذا من باب التغليظ عليه. وهو اختيار ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن باز. [انظر المحلى (6/183) والاختيارات ص (109،34) ومنهاج السنة (5/223) وفتاوى ابن باز (10/315)].
    واستدلوا:
    • بأن الصلاة مؤقتة بوقت كما قال تعالى:{ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} أي مفروضة في أوقات معينة قالوا: فإن كانت لا تصح قبل وقتها ومن جاء بها قبل وقتها فهي مردودة عليه لأنه عمل عملا ليس عليه أمر الدين والنبي - -يقول:" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" متفق عليه، فكذلك الحال فيمن صلاها بعد وقتها فهي مردودة عليه، لأن قضاء المتعمد لتأخيرها لم يأت فيه نص إنما النص في المعذور.
      ما تقدم هو خلاصة الكلام والاستدلال في حكم من فرط بالصلاة بترك أو تأخير.

      • قال ابن القيم بعدما بيَّن قتل تارك الصلاة بالكلية:"ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها، ودعي إلى فعلها، على رؤوس الأشهاد وهو يرى بارقة السيف على رأسه، ويُشد للقتل، وعصبت عيناه، وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، ويقول: اقتلوني ولا أصلي أبدا" [انظر كتاب الصلاة ص (523)].
      • قال شيخنا ابن عثيمين:"والذي يظهر من الأدلة: أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائما، بمعنى أنه وطَّن نفسه على ترك الصلاة، فلا يُصلي ظهرا ولا عصرا ولا مغربا ولا عشاء ولا فجرا، فهذا الذي يكفر. فإن كان يصلي فرضا أو فرضين فإنه لا يكفر، لأن هذا لا يصدق عليه أنه ترك الصلاة... ولأن الأصل بقاء الإسلام فلا نخرجه منه إلا بيقين لأن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين." [انظر الممتع (2/28،27)].


(مستلة من : إبهاج المسلم في شرح صحيح مسلم للشيخ عبدالله حمود الفريح)