الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

وهذا الضرب إنما يُسْتَفْتَوْنَ بالشَّكْلِ لا بالفضل

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه :( إعلام الموقعين ) ج 4/208 :

وكثير منهم ( أي من المدعين للفتوى ) نصيبهم مثل ما حكاه أبو محمد بن حزم قال :

كان عندنا مفت قليل البضاعة ، فكان لا يفتي حتى يتقدمه من يكتب الجواب فيكتب تحته جوابي مثل جواب الشيخ ، فقدر أن اختلف مفتيان في جواب ؛ فكتب تحتهما جوابي مثل جواب الشيخين فقيل له : إنهما قد تناقضا .
فقال : وأنا أيضا تناقضت كما تناقضا .

وقد أقام الله سبحانه لكل عالم ورئيس وفاضل من يُظْهِرُ مماثلتَه ، ويَرَى الجُهَّالُ - وهم الأكثرون - مُسَاجَلَتَه ومُشَاكَلَتَه ، وإنه يجري معه في الميدان ، وأنهما في المسابقة كفرسي رهان ، ولا سيما إذا طَوَّل الأردان ، وأرخي الذوائب الطويلة وراءه كَذَنَبِ الأَتَان ، وهَدَرَ باللسان ، وخلا له الميدان الطويل من الفرسان .


فلو لَبِسَ الحمار ثياب خَزٍّ *** لَقَالَ الناس يَالَكَ من حِمَار


وهذا الضرب إنما يُسْتَفْتَوْنَ بالشَّكْلِ لا بالفضل ، وبالمناصب لا بالأهلية ، قد غَرَّهُمْ عُكُوْفُ مَنْ لا عِلْمَ عنده عليهم ، ومُسَارَعَةُ الأَجْهَلِ منهم إليهم ، تَعُجُّ منهم الحقوق إلى الله تعالى عَجِيْجَا ، وتَضِجُّ منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجا ، فمن أَقْدَمَ بالجرأة على ما ليس له مِنْ فُتْيا أوقضاء أوتدريس استحق اسم الذم ، ولم يَحِلَّ قبولُ فُتْيَاه ولا قضائه ، هذا حكم دين الإسلام وإنْ رَغِمَتْ أنوف من أناس فقل : يارب لا تُرْغِم سواها . أهـ.