السبت، 22 ديسمبر 2012

سنن وقت العشاء

سنن وقت العشاء:
فيه عدة أمور:
  • أ - يكره الحديث والمجالسة بعدها:
لحديث أبي برزة الأسلمي السابق وفيه: "وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها"، ولا يكره أن يتحدث الإنسان بعد العشاء إن كان في طلب علم أو عمل في مصالح المسلمين أو الشغل أو مسامرة أهل وضيف ونحوه.
ويدل على ذلك:
  • 1 - حديث عمر بن الخطاب قال: "كان رسولُ الله يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما"؛ رواه أحمد والترمذي وحسنه.
  • 2 - حديث ابن عباس قال: "بتُّ في بيت ميمونة ليلة، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها؛ لأنظر كيف صلاة رسول الله بالليل، فتحدث رسولُ الله مع أهله ساعة ثم رقد"؛ متفق عليه.

وسبب الكراهة - والله أعلم -: أنَّ نومَه يتأخر، فيخاف منه تفويتُ الصبح عن وقتها، أو عن أولها، أو يفوته قيام الليل ممن يعتاده، ولذا ذم النبي الرجل الذي ينام الليل كله حتى يصبح، ولا يقوم لصلاة اللَّيل، جاء ذلك في الصَّحيحين من حديث ابن مسعود، قال: ذكر عند رسول الله رجل نام ليلة حتى أصبح، قال: ((ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه))، أو قال ((في أذنه)).
والمقصود أنَّ سبب كراهة الحديث بعد العشاء لغير حاجة؛ لأنَّه سبب في تفويت قيام الليل، وربَّما صلاة الفجر، كان عمر بن الخطاب ينهى عن السَّهر، ويضرب الناس على ذلك، ويقول: أسَمَرًا أوَّل الليل، ونومًا آخره، كما رواه عبدالرزاق في مصنفه.
  • ب - الأفضلُ في صَلاة العشاء أن تؤخر ما لم يكن في ذلك مَشقة على المأمومين:

فالأفضلُ تأخيرها إلى آخر وقت العشاء، وهذا التأخير يشترط فيها مُراعاة المأمومين وأحوالهم.
ويدل على ذلك:
1 - حديث عائشة، قالت: أعتم النبي ذات ليلة، حتى ذهب عامَّة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال: ((إنَّه لوقتها، لولا أنْ أشق على أمتي))؛ رواه مسلم.
2 - حديث جابر وفيه: ((والعشاء، أحيانًا يؤخرها، وأحيانًا يعجل، كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطؤوا أخر))؛ متفق عليه.
3 - حديث أبي هريرة قال: قال النبي : ((لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه))؛ رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
وعليه فالسنة في حقِّ المرأة؛ حيث إنَّها لا ترتبط بجماعة أن تؤخر العشاء إذا لم يكن في ذلك مَشَقَّة عليها، وكذا الرجل إن لم يكن مرتبطًا بجماعة، كأنْ يكون في طريق سفر ونحوه.
  • ج - النوم وفيه عدة سنن:
1 - إغلاق الأبواب عند النوم:
لحديث جابر قال: قال رسول الله : ((أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب، وأوكئوا الأسقية، وخمروا الطَّعام والشراب))؛ رواه البخاري ومسلم.
والعلة من الأمر بإغلاق الأبواب منع الشياطين من الدُّخول، كما تقدم في حديث جابر الآخر، ((وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطانَ لا يفتح بابًا مغلقًا)).
 
2 - إطفاء النار قبل النوم:
لحديث جابر السابق، وفيه: ((أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم)).
وأيضًا حديث ابن عمر عند مسلم، قال النبي : ((لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون)).
وفي الصَّحيحين من حديث أبي موسى قال: احترق بيتٌ على أهله بالمدينة من الليل، فلَمَّا حُدِّثَ رسولُ الله بشأنهم، قال: ((إنَّ هذه النار إنَّما هي عدو لكم، فإذا نمتم، فأطفئوها عنكم)).
والعِلَّة من الأمر بإطفاء النار قبل النوم جاءت في حديث جابر في رواية البخاري قال النبي : ((وأطفئوا المصابيح، فإنَّ الفويسقة ربَّما جرت الفتيلة، فأحرقت أهل البيت)).
والفويسقة: هي الفأرة، وهي من الفواسق الخمس اللاتي يقتلن في الحلِّ والحرم، فهي ربَّما تجر فتيلَ المصباح، ثم تحرق على أهل البيت بيتَهم، وعليه يقاس أيُّ شيء يكون سببًا في جر الحريق لأهل البيت، فيحترز مثلاً من الأشياء التي ربَّما تؤثر على وسائل التدفئة؛ لقربها منها، فتكون سببًا في اشتعال الحريق، ونَحو ذلك؛ لأنَّ العلة واحد، والنَّار عدو، كما أخبر النبي - .
وبناء عليه لو أمن النائم من هذه النار، وأنَّها لن تؤثر بأن لم يكن حولها ما يُسبِّب في انتشارها، فلا بأسَ حينئذ من إبقائها؛ لأنَّ الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
قال النووي: "قوله : ((لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون))، هذا عام تدخل فيه نار السراج وغيرها، وأمَّا القناديل المعلقة في المساجد وغيرها، فإن خيف حريق بسببها، دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أمن ذلك كما هو الغالب، فالظاهر أنه لا بأسَ بها؛ لانتفاء العلة؛ لأنَّ النبيَّ علَّل الأمر بالإطفاء في الحديث السابق بأنَّ الفُويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم، فإذا انتفت العلة زال المنع"؛ (انظر: شرحه لمسلم، حديث (2015)، باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء...).
وكذا قال ابنُ دقيق العيد، وبيَّن أن قول الأكثر بأن الأمر للاستحباب لا للوجوب، كما ذكر ابن حجر؛ (انظر الفتح، حديث (6293)، باب لا تترك النار في البيت عند النوم).
3 - الوضوء قبل النوم:
لحديث البراء بن عازب أن رسول الله قال: ((إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إنِّي أسلمت وجهي إليك...))؛ متفق عليه.
قال النووي: "فإن كان متوضئًا، كفاه ذلك الوضوء؛ لأن المقصود النوم على طهارة؛ مَخافة أن يموت في ليلته، وليكون أصدق لرُؤياه، وأبعد من تلعُّب الشيطان به في مَنامه وترويعه إياه"؛ (انظر: شرحه لمسلم، حديث: 2710، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع).

4 - نفض الفراش قبل الاضطجاع عليه:
فمن السنة قبل النوم أنْ ينفض من أراد النوم فراشه بداخلة إزاره ثلاث مرات، ويسم الله تعالى؛ لحديث أبي هريرة قال: قال النبي : ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفض فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربِّي وضعت جنبي...)).
وفي رواية: ((إذا جاء أحدُكم فراشه، فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات...))، وعند مسلم: ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فليأخذ داخلةَ إزاره، فلينفض بها فراشه، وليسمِّ الله...)).
وداخلة الإزار وكذلك صنفة الثوب: هي طرفه الداخل الذي يلي الجسد.
فممَّا تقدم يتبين أن السنة أن ينفض فراشَه بداخلة إزاره، وأن النفض ثلاث مرات، وأنه يسمي عند النفض، وفي الحديث بيان الحكمة من النفض، وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإنه لا يدري ما خلفه عليه))، فرُبَّما خلفه على فراشه ما يؤذيه.
والأفضل أن يكون نفضه بداخلة الثوب، ومن أهل العلم من قال: بأي شيء، وأهم شيء أنْ ينفضَ الفراش، ومنهم الشيخ ابن الجبرين في فتوى له، برقم: (2693)؛ حيث قال: "وليس شرطًا استعمال داخلة الإزار، بل لو نفض الفراش كلَّه أو نفضه بعمامة أو نحوها، حصل المقصود".

5 - النوم على الشق الأيمن.
6 - وضع يده اليمنى تحت الخد الأيمن.
ويدل على هاتين السنتين: حديث البَرَاء بن عازب أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أخذت مضجعَك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم، إنِّي أسلمت وجهي إليك...))؛ متفق عليه.
وحديث حذيفة قال: "كان النبي إذا أخذ مضجعه من الليل، وضع يده تحت خده..."؛ رواه البخاري، وعن البَرَاء : "أنَّ النبي كان إذا أَوَى إلى فراشه، وضع يده اليُمنى تحت خده"؛ رواه أحمد.

7 - قراءة أذكار النوم:

وللنوم أذكار من الكتاب والسنة:
فمن الكتاب:
أ - قراءة آية الكرسي:
فيسن قراءة آية الكرسي عند النوم، ففيها حفظ له من الشيطان حتى يصبح.
ويدُلُّ على ذلك: قصة أبي هريرة مع الذي يسرق من الزَّكاة، وهو في كل مرة يشكو الحاجةَ والعيال، فلما كرَّرها الثالثة، عزم أبو هريرة على رفع أمره للنبي فقال له: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هُنَّ؟ قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]، حتى تختم الآية، فإنَّك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعلَ أسيرُك البارحة؟ قلت: يا رسول الله، زَعَمَ أنَّه يُعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: ما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشِك، فاقرأ آية الكرسي من أولها، حتى تَختم الآية ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255]، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَمَا إنَّه قد صدقك وهو كذوب، تعلمُ مَن تُخاطب مُذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال: ذاك شيطان))؛ رواه البُخاري معلقًا ووصله النسائي.
ب - قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة:
لحديث أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسولُ الله : ((من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة، كفتاه))؛ مُتفق عليه، والآيتان من آخر سورة البقرة ليستا من أذكار النَّوم على وجه الخصوص، وإنَّما ذكر يقال في الليل، فمن لم يقرأهما بالليل، وتذكر ذلك عند نومه، فليقرأهما عند نومه.
واختلف في معنى كفتاه: فقيل: كفتاه من قيام الليل، وقيل: كفتاه من الشيطان، وقيل: كفتاه من الآفات، ويَحتمل الجميع، كما قال النووي؛ (انظر: شرحه لمسلم، حديث (808)، باب: فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة...).
ج - قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين والنَّفث بها في الكفين، ثم مَسح الجسد بهما ثلاث مرات،
ويدُلُّ على ذلك: حديث عائشة "أنَّ النبي كان إذا أوى إلى فراشه كلَّ ليلة، جَمَعَ كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: ﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ و﴿قل أعوذ برب الناس﴾، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاثَ مَرَّات"؛ رواه البخاري.
ويستفاد من الحديث السابق أنَّ النبيَّ كان يطبق هذه السنة كل ليلة؛ لقول عائشة: "كل ليلة"، وأنَّ مَن أرادَ تطبيقَ هذه السنة، فإنَّه يَجمع كفيه، ثم ينفث فيهما بالإخلاص والمعوذتين، ثم يَمسح ما استطاع من جسده مبتدئًا برأسه ووجهه، ويفعل ذلك ثلاث مرات.
والنفث شبيه بالنَّفخ، وهو أخف من التفل؛ لأن التفل لا يكون إلاَّ معه شيء من الريق، وقيل: إنَّ النفث هو التفل؛ [انظر: لسان العرب، مادة (نفث)، وانظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، مادة (نفث)].
- في الحديث إشكال، وهو أنَّ ظاهرَ الحديث يدُلُّ على أن النفث يكون قبل القراءة، فما فائدة النفث حينئذ؟
من أهل العلم مَن يرى تقديمَ النفث على القراءة؛ لظاهر الحديث، فإنه بدأ بالنفث، ثم القراءة وهو اختيار الشيخ الألباني، ومنهم من يرى أنَّ النفث يكون بعد القراءة؛ لأنَّ البركة إنَّما تكون في هذا المنفوث أو الريق بعد ما اختلط بالقرآن، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين، وذكر أنَّ (ثم) لا تقتضي الترتيب أحيانًا.
فقال - رحمه الله -: "وظاهره: أنه يقرأ مرة ثم يَمسح، ثم يقرأ ثم يَمسح، كل واحدة لحالها (قل هو الله أحد)، و(قل أعوذ برب الفلق)، و(قل أعوذ برب الناس) جميعًا، ثم يَمسح، ثم يُعيدها جميعًا ثم يَمسح، هذا نص الحديث، والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ النفثَ بعد القراءة، و(ثم) أحيانًا لا تقتضي الترتيبَ وقد مر علينا قولُ الشاعر:
قُلْ لِمَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ = قَبْلَهُ ثُمَّ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهُ
والحكمة من ذلك: أنَّ هذا الريق الذي اختلط بالقراءة هو الذي تكون فيه البَركة، والظَّاهر أن المسح يكون من فوق الثِّياب"؛ [انظر: "شرح البخاري"، لشيخنا (60/10)، باب: فضل المعوذات، الطبعة المصرية للمكتبة الشاملة].

وربَّما يشهد لذلك رواية البخاري الأخرى: قالت عائشة: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ﴿قُل هو الله أحد﴾، وبالمعوذتين جميعًا، ثم يَمسح بهما وجهه، وما بلغت يداه من جسده، قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أنْ أفعلَ ذلك به"، فظاهر الحديث يدُلُّ على أن النفث بالسور نفسها لا قبلها، وأفاد هذا الحديث حرصَ النبي على هذه السنة؛ حيث إنَّه حتى إذا مرض يفعل ذلك، وذلك بأمره لعائشة، وجاء في الصحيحين ما يدُلُّ على أن النفث بها ليس فقط عند النوم، وإنَّما أيضًا إذا اشتكى وجعًا، فعن عائشة - ا -: "أنَّ رسولَ الله كان إذا اشتكى، نفث على نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفِّي فيه، طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي - – عنه"، وفي رواية: "وأمسح بيده؛ رجاء بركتها".
د - قراءة سورة الكافرون:
لحديث عروة ابن نوفل عن أبيه : "أنَّ النبي قال لنوفل: ((اقرأ ﴿قل يا أيها الكافرون﴾، ثم نم على خاتمتها، فإنَّها براءة من الشرك))؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.
قال ابن حجر: "في القراءة عند النوم عِدَّة أحاديث صحيحة: منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قراءة آية الكرسي، وقد تقدَّم في الوكالة وغيرها، وحديث ابن مسعود الآيتان من آخر سورة البقرة، وقد تقدم في فضائل القُرآن، وحديث عروة بن نوفل عن أبيه "أن النبيَّ قال لنوفل: ((اقرأ ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ في كل ليلة، ونم على خاتمتها، فإنَّها براءة من الشرك))..."؛ (انظر: "الفتح"، حديث (6319)، باب التعوُّذ والقراءة عند المنام).


الشيخ عبدالله بن حمود الفريح