الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

حين يغيب الإسلام يختفي الإرهاب!


تروي طرفة أميركية أنه حين أُخبِر الرئيس الأميركي جورج بوش من قبل أحد مساعديه عن حجم الدمار الذي خلفه إعصار كاترينا في خريف العام 2005، بادره الرئيس المذعور بقوله:
 لقد عملها ابن لادن مرةً أخرى! ولكن مساعده -الذي أراد أن يخفف من روع سيده - نفى ذلك قائلاً: لا، ياسيدي إنها كاترينا. عندها، التفت الرئيس إلى مساعده ليسأله: هل هذه زوجة ابن لادن؟
مرت بي هذه الطرفة أثناء متابعتي للمأساة الأليمة التي حدثت في جامعة فيرجينيا الأميركية الأسبوع الماضي، حين قام طالب من أصل كوري جنوبي بإطلاق النار عشوائياً على طلاب وأساتذة الجامعة فقتل 32 شخصاً، منهم طالبان عربيان. إذ يبدو أن الأميركيين قد وجدوا حرجاً في تقبل صدمة مأساة فيرجينيا للوهلة الأولى، التي لم تكن من عمل ابن لادن أو أتباعه. ولهذا لم تنعت العملية التي لم يقف وراءها «إرهابي مسلم» بصفة «الإرهاب»، من قبل الرئيس الأميركي والمسؤولين الأميركيين، ولا من قبل وسائل الإعلام الأميركية المتعددة.
ولتسجيل هذه الحقيقة، عبثاً بحثت في عشرات المواقع الإعلامية الأميركية عن وصف «إرهاب» أو «إرهابي» أو حتى «كوري أصولي» في وصف هذه الحادثة الدموية المؤلمة، فلم أعثر من ذلك على شيء. فقد قامت كل وسائل الإعلام الأميركية المقروءة والمسموعة والمرئية بتغطية واسعة لهذه الحادثة، من دون أن تقرنها بصفة «الإرهاب». وفي الوقت الذي تم فيه وصف هذه العملية بصفات مثل: «الحادثة»، «المجزرة»، «الجريمة»، «المذبحة»، «المأساة»، «الهجوم»، غاب وصف «إرهاب» عن العملية التي قيل إنها أسوأ جريمة فردية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. كما أن ذلك ينطبق على صفة من قام بالهجوم ذاته، الذي أشير إليه بعبارات «القاتل» و «الفاعل» ولكنه لم ينعت أبداً بلفظة «إرهابي». إلا أن بعض وسائل الإعلام الأميركية أشارت إلى القاتل بلفظة «المتهم بارتكاب مجزرة فيرجينيا»، فهو في نظر هؤلاء ليس سوى متهم قد يبقى بريئاً حتى تثبت إدانته!
ولعل هذا المكيال الأميركي غير العادل حول «جرائم الإرهاب»، يشير من جديد إلى الانحياز الرسمي وغير الرسمي ضد المسلمين في داخل الولايات المتحدة.
وإذا كان وجود مثل هذا الخلل غير مستغرب من الجهات الرسمية الأميركية، التي فقدت صدقيتها في التعامل مع المسلمين منذ زمن ليس بالقصير، فإن أكثر من سؤال يمكن أن يوجه حول صدقية وعدالة الإعلام الأميركي، الذي لم يعد قادراً على إخفاء تعدد مكاييله.
ولكن لنا أن نقدر وجهة نظر الإعلام الأميركي، الذي قد يرى أنه يؤدي رسالته بأمانة، في أنه حين يقوم بالقذف بـ «تهمة العصر» لأي عمل يتهم به مسلم قبل أن تتم إدانته، فهو إنما يقصد إبراز الحقائق للعامة. وإذا ما صاحب ذلك إثارة الكراهية ضد الدين الإسلامي، أو بعث الشك في مواطنة المسلمين المقيمين داخل الولايات المتحدة، فإن ذلك خارج عن مسؤولية الإعلام الذي يقوم بعمله بطريقة «محايدة». بيد أن الإعلام الأميركي، الذي جعل تهمة «الإرهاب» حكراً على أعمال العنف التي يقوم بها المسلمون من دون غيرهم، قد يرى في تجنب إلصاق تهمة «الإرهاب» بغير المسلمين، حكمة ثاقبة قد تخفى على الكثير.
فعلى سبيل المثال، فإن في الاكتفاء بوصف الأميركي المتعصب ديفيد كورش - المسؤول عن قضية واكو تكساس، التي راح ضحيتها عشرات الأميركيين جلهم نساء وأطفال- بلفظة «ديني متطرف» من دون نعته بسمة «إرهابي»، ما يغني. لأن نعت «إرهاب» قد يكون فيه إغضاب لرعاة البقر التكساسيين الذين ينتمي إليهم كورش ذاته، وقد يتسبب ذلك في رد فعل من أتباع الرجل - الذي زعم أنه عيسى بن مريم - لا تحمد عقباه!
كما إنه من وجهة نظر الإعلام الأميركي، قد يكون من الحكمة الاقتصار على لفظة «أصولي متعصب» بدلاً من «إرهابي متوحش» لـ تيموثي ماكفي، وهو المسؤول عن تفجير البناية الحكومية في ولاية أوكلاهوما في الحادثة التي كان معظم ضحاياها من الأطفال الأميركيين، لأن في ذلك تجنباً لإثارة العواطف الدينية لدى المتحمسين لفكر الشاب، الذي لا يزال إخوانه يقيمون حفلات احترام له في ذكرى إعدامه!
ومن المنطلق نفسه، يمكن القول إن تجنب لفظة «إرهابي» للأميركي الأبيض جون والكر الذي حارب في صفوف القاعدة في أفغانستان، وعدم وضعه في معتقل غوانتانامو مع زملائه الذين حارب معهم، تشجيعاً له على ألا يتراجع عن توبته التي أعلنها على الملأ وتَبَرِّئُهِ من طالبان والقاعدة وكل من يمت لهم بصلة!
وبالمنطق نفسه أيضاً، يمكن فهم وجهة نظر قاضي إحدى محاكم كاليفورنيا، الذي رفض قبول إطلاق تهمة «إرهابي» على أميركي أبيض، قام بإلقاء زجاجة حارقة على مركز إسلامي في الولاية قبل قرابة العام، من حيث أن مثل هذه التهمة الخطيرة لا تتناسب مع مكان عبادة لمن هم في الأصل «إرهابيون» و»فاشيون» في معتقدهم!
وبفهم مماثل، لنا أن نفسر وجهة نظر الإعلام الأميركي، الذي رأى الاكتفاء بنعت الطبيب الأميركي جولدستاين بصفة «مخبول»، وإن قتل أربعين مسلماً وهم سجد في الحرم الإبراهيمي عام 1994، لأنه ربما كان في وصف عمله بلفظة «الوحشي» أو «الإرهابي»، ما يثير غرائز الأشقاء الصهاينة الضيوف الدائمين في الولايات المتحدة!
من هذا المنطلق، يمكن القول أيضاً إن في نعت «القاتل» الكوري الجنوبي بـ «الفاعل» أو غيرها من الألفاظ المحايدة ما يغني عن تهمة «الإرهابي»، لأن في ذلك مداراة لابن عمه الضيف الجديد المقيم في نيويورك صاحب المنصب المهم في الأمم المتحدة! كما أنه يمكن فهم هذا «التصرف» في بلد تنتشر فيه 194 مليون قطعة سلاح في أيدي المواطنين، ويقتل فيه أكثر من 30 ألف شخص بالرصاص سنوياً.
على أنه يمكن القول إن حادثة فيرجينيا لم تكن الأسوأ التي وقعت خلال فترة الرئيس الأميركي جورج بوش، المليئة بجميع أنواع الكوارث. فقد استهل الرئيس المشؤوم فترة رئاسته بأعظم كارثة شهدتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، ثم تواصلت الكوارث مع تحطم مكوك الفضاء كولومبيا عام 2003، الذي قتل فيه جميع أفراد طاقمه، بعد ذلك بعام شهدت ولايات عدة أربعة أعاصير لم يسبق لها مثيل في التاريخ الأميركي، تلاها إعصار كاترينا الخامس، الذي ذهب ضحيته مئات القتلى وكلف الخزانة الأميركية أكثر من 100 بليون دولار. إضافةً إلى ذلك، لا تزال أعداد قتلى الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان تتزايد يوماً بعد يوم، على رغم النفقات الهائلة التي تبذلها إدارته على تلك الحربين والتي جاوزت 400 بليون دولار.
وإذا كانت بعض هذه الكوارث الطبيعية لا تنطبق عليها صفة «الإرهاب» كونها ليست من صنع البشر، فإن مذبحة فيرجينيا تظل «إرهابية» بكل المقاييس، وإن لم تشترك في تدبيرها زوجة ابن لادن!
تعليق النداءات:
“ولتسجيل هذه الحقيقة، عبثاً بحثت في عشرات المواقع الإعلامية الأميركية عن وصف «إرهاب» أو «إرهابي» أو حتى «كوري أصولي» في وصف هذه الحادثة الدموية المؤلمة، فلم أعثر من ذلك على شيء. فقد قامت كل وسائل الإعلام الأميركية المقروءة والمسموعة والمرئية بتغطية واسعة لهذه الحادثة، من دون أن تقرنها بصفة «الإرهاب». وفي الوقت الذي تم فيه وصف هذه العملية بصفات مثل: «الحادثة»، «المجزرة»، «الجريمة»، «المذبحة»، «المأساة»، «الهجوم»، غاب وصف «إرهاب» عن العملية التي قيل إنها أسوأ جريمة فردية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.”
حقيقة لا مراء فيها ولا جدال، أمريكا تقصد الإسلام من قولها الإرهاب فهما مترادفان في نظرها.
ومن أفواههم ندينهم!
فهلا أدرك المخدوعون بأمريكا أو بعملاء أمريكا الذين يسبحون بحمدها ويسلموها البلاد والعباد ذلك؟ حيث أننا في زمن قد كشفت فيه الحُجُب وسقطت فيه الأقنعة ولم يبق عذر لجاهل يجهل الواقع المشاهد المحسوس بكل تفصيلاته!


الكاتب : محمود المبارك